إهداء لكل فلسطيني
قصة من العراق
اعتقال فتى سني
••
يومٌ آخر رهيب رعيب في سجون ذيول إيران في العراق، ووجبة جديدة من المعتقلين من إحدى مناطق بغداد، وسأخفي المنطقة حفاظا على حياة أهلها!.
دخل شاب سني لم يتجاوز السادسة عشرة من العمر وسيم جدا تدل هيئته أنه ابن خير وتهمته حراسة مسجد.
فتحنا عصابة عينيه ويديه.. كان جسمه يرتجف من الخوف!.
سأله زميلي الأسئلة المعتادة، فأخبرنا اسمه والمنطقة التي اعتقل منها، وقال عندما رأى قدمي باللون الأزرق ولا استطيع المشي ولا استطيع رفع يدي اليمنى وراى أستاذ المدرسة الذي فقد عقله قال: “راح يسوون بيه هيج”!؟.
قلت له: لا ولكن توقع الأسوأ لكن احذر أن تعترف على أشياء لم تفعلها، لأنك عندها ستقتل نفسك بيدك.
حل المساء ونادوا على اسمه فبكى وأخذ جسمه يرتجف ونحن نقول له: “انته من أهل الله.. الله يصبرك لا تخاف” لكنه ظل يرتجف ويبكي.
كنا نحن الرجال نبكي كالأطفال من هول العذاب، فكيف بهذا الفتى!.
شد الكفرة الفجرة سلالة الأنذال وثاقه وخرج إلى قدره.
وكالعادة اغمضت عيني وأغلقت أذني بيدي لا أستطيع سماع صوت الصراخ الممزوج بألم الموت.. صوت انتزاع الأرواح من الأجساد بيد الجلادين.
عاد الفتى يبكي مثلما ذهب ولكن بنحيب أكثر.
قلت له: عمو اعترفت!؟.
قال: نعم.
شعرت بنغزه مزقت قلبي وقطعت نفسي أكثر أي قدر ينتظرك.. لا ألومك ربما بالجولة المقبلة كلنا نعترف!.
ظل يبكي وانتبهت على سرواله عليه آثار الدم، ولم أستطيع أن أسأله ولكن نزل دمعي وشعرت بالدوار وضعت رأسي على قدم صديق الزنزانه وأنا أحاول أن أمحو الصورة والإستنتاج، لكني لم أستطيع أن أسأله ونزل دمعي وشعرت بدوار، ووضعت رأسي على قدم صديق الزنزانة وأنا أحاول أن أمحي الصوره والاستنتاج من مخيلتي.. ترى هل جن المدرس لنفس السبب؟.. وهل يمكن أن أتعرض أنا لمثل هذا النوع من التعذيب؟ وما هو المتوقع يا إلهي.. ولماذا تتأخر باستجابة الدعاء.. استغفر الله.
هل نحتاج لمعجزة أو دعوة نبي لنموت؟.. لقد كان الفتى يعتني بي كثيراً وكأني أبوه وبدأ يتكلم ماذا حدث له فطلبت منه أن يتوقف لا أريده أن يتكلم ولكنه قال: “عمو احچليلك وانته احجي لابويه وامي خاف اموت”.
بكيت، وهو بكى وكأننا بعزاء أنفسنا، ثم قال: اعتدوا علي وقالوا أنت “باكر” (تقال للمرأة غير المتزوجة)، ولم أفهم ما يقصد إلى أن قال: اليوم نفتحك.. ثم ربطوني على السرير وسحبوا سروالي وبدأوا باغتصابي وكنت أصرخ وتمنيت لو كسروا قدمي أو يدي أو قتلوني.. قلت لهم: أريد أن أعترف من أجل أن يتوقفوا ولكنهم استمروا باغتصابي.
لم أتحمل وطلبت منه أن يتوقف ليبادر صديقي الآخر قائلا الشيخ (..) من منطقة (…) في الخيم بحفظ النظام.. لقد أدخلوا عصا الماسحة في دبره حتى مات.
لا أدري لماذا بقي اسمه عالقاً في ذاكرتي.. كلما نادوا وجبة جديدة للتعذيب كان الفتىيقابل الشباك الصغير في باب المحجر، وكان يبدأ بالبكاء بصوت عال كأنهم نادوا اسمه، أما نحن فكنا كنا نبكي لبكائه، وكنا نسمع بكاء المحاجر الأخرى لبكائه الطفولي.
وكان المسكين يسأل أبوه وهو ينوح أن يأتي لأخذه، لكن عندما كان ينادي أمه “وچ يمه تعالي” كنت أنهار تماما، وينهار معي كل من في المحاجر.
كنا لا نستطيع أن نواسي هذا الفتى.. فمن أين سنجلب له أمه كي ينام بحضنها ليأمن.. إنه الآن بأحضان الأفاعي ينتظر حتفه ببطء.
طرقوا باب المحجر واخذونا إلى القاعات وبقي الفتى وحده في المحجر ولم يغادر إلى اليوم.. مخيلتي.
كان الفتى يعتني بي كثيرا كأني أبوه، وكان مصرا على أن يجهش بالبكاء أمامي.. وكان يقسم بأنه لم يكن يعرف أن هناك فرقا بين السنة والشيعة.
بقية الأيام كانوا كلما نادوا وجبة جديدة للتعذيب كان الفتى يقابل الشباك الصغير في باب المحجر يبدأ بالبكاء بصوت عالي كأنهم ينادوا على اسمه.
في نهاية المطاف ودون أن أنتهي من كوابيس ما جرى لهذا الفتى المسكين جاء يوم طرقوا فيه باب المحجر واخذونا إلى القاعات.. وبقي الفتى وحده في المحجر ولم أعرف ما الذي حصل معه، ومثله آلاف من أبناء السنة يتم التنكيل بهم ولا يثير مظلوميتهم أي أحد.
أنا لدي تعليق بسيط جدا على هذه القصة:
هذا الذي جرى مع الفتى من أبسط ما واجهه سنة العراق من جواسيس إيران.. لكن القصة كافية لأن تشهرها في وجه كل السفلة والحمقى الذين يقولون بأن قضية فلسطين هي قضيتنا الأولى.. ثم تبصق عليهم، وتمضي في طريقك كعربي ومسلم.. وبينك وبينهم الله وحده.