الأمة النائمة.. ولكنها لا تموت!
بقلم: عماد حسين اللافي
•••••
في بريطانيا كان جاري الإنكليزي -الذي كان يكبرني بخمسة وثلاثين عاماً على الأقل، والذي كان محاضراً جامعياً في التاريخ العربي القديم والدراسات الإسلامية، في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي يلاطفني بأسلوب دافئ رصين، كوني أشبه إلى حد كبير إبنه الذي كان يقيم في ماليزيا، وزوجته الأردنية.
وقد شجعني أسلوبه في معاملتي، على الحوار الذي كان معظمه يأتي رداً على كثير من أسئلتي المعلقة والمشحونة بعاطفة قومية مشتعلة.
وصفه، أو قل رأيه، أو تحليله، أو ماشئت تسميته، لايزال حاضراً بعقلي الواعي، وعقلي الباطن، وهو:
أنتم أمة تنام ولكن لاتموت.. وما علينا إلا أن نبقيكم نياماً قدر استطاعتنا.
سألته:
لماذا كل هذا العداء، وما الذي يضيركم إن أفقنا؟ فأجاب: هذا سؤال كبير، الجواب عليه ليس بسيطاً، إنما سأحاول الإختصار بقدر الإمكان: فقبل ١٤٠٠ عام كانت أساليب وأدوات الحضارة اليونانية القديمة، والرومانية التي ورثتها وأخذت عنها كل شيء تبسط نفوذها السياسي والإقتصادي والثقافي والديني على العالم القديم بما فيه بلادكم – العالم الذي من ضمنه الجزيرة العربية.
كان مجتمع الجزيرة العربية يتشكل من قبائل مختلفة دائمة التذبذب والإنتقال والأهواء والأغراض، مفككة الأوصال متفانية في حروبها يقاتل بعضها بعضاً، مرة يدخلون في أهل العراق تبعاً للفرس، وأخرى في أهل الشام تبعاً للروم.
ولم يكن يجمعها من الدوائر والتشكيلات الإدارية والسياسية والإقتصادية بعد سقوط الممالك اليمانية إلا شكل بسيط ظهر في نهاية القرن السادس الميلادي بعد الغزو الحبشي للجزيرة، وهو: حلف الفضول الذي جاء مباشرة بعد حرب الفجار.
كان المشهد يبدو في منتهى الإستقرار في هذه المنطقة من العالم تحت حكم الفرس والرومان، وفجأة ظهر رجل إسمه محمد [صلى الله عليه وسلم] الذي سماه قومه الصادق الأمين، والذي اكتسب صفات الزعامة والشرف والرأي والعزم والحزم والحلم، والتأمل والنبوءة، فأثرت تأملاته عن عقل خصب وبصيرة نافذة توجت بالنبوة.
قام محمد [صلى الله عليه وسلم] وعلى مدى ثلاثة وعشرين عاماً بإنضاج برنامج تجاوز فيه حدود المعجزات، وذلك من خلال سلوكه الشخصي، ورسالته السماوية، بتوحيد قبائل عرب الجاهلية التي كان من صفاتها الدنايا والرذائل التي ينكرها العقل السليم ويأباها الوجدان، وفي الوقت نفسه، كانت فيهم الأخلاق الفاضلة المحمودة من كرم، ووفاء، وإغاثة، وعزة نفس، وعزم، وحلم، وصدق، وأمانة، ونفور من الغدر والخيانة.
قام النبي صلى الله عليه وسلم بتوحيدهم وصهرهم في بوتقة أخلاقه وتعاليمه السماوية حتى أصبحوا على ما يريد، وما وعده لسراقة بسواري كسرى إلا كأنه يقول: إني أصنع أمة سيكون لها تاريخ الأرض من بعد.
إستطاع الإسلام بوثبته الهائلة الإنتصار على الروم في اليرموك (٦٣٦م)، وعلى الفرس في القادسية (٦٣٨م) ومع إنكسار الروم والفرس بدأ العرب المسلمون بالتوسع والسيطرة على العالم القديم، فأصبحت الدولة الجديدة تمتد من فرنسا غرباً وشمالاً، إلى الصين شرقاً وذلك في القرن الأول من ميلادها.
إذاً، أنشأ محمد صلى الله عليه وسلم رجالاً يمكنك وصفهم بكل شيء إلا أنهم دون الملائكة، وذلك من خلال تقديمه لوعد معلق في السماء، فكيف نترككم الآن لتحقيق وحدة قومية عربية إسلامية، حدودها من الغرب إلى الشرق ١٢٠٠٠ كم، ومن الشمال إلى الجنوب ٨٠٠٠ كم، بمصادر طبيعية هائلة، إن توحدت، وبشعبٍ فتي إذا إقتنع سيصنع المعجزات خلال فترة نسبية قصيرة.
أنتم قلب العالم، فإذا أصبح قلب العالم سليماً معافى تبعته الأطراف.
إذاً، ماعلينا إلا إبقاؤكم نياماً بقدر مانستطيع، إننا لا نستطيع أن نميتكم مادام القرآن فيكم.
أنتم أمة تنام ولكن لاتموت، وعلينا تأجيل يقظتكم بقدر المستطاع.
نحن نصنع نخبكم السياسية والإقتصادية فتكون مجبرة عن وعي ودراية أو بدونهما أحياناً على تنفيذ مانريد.
أخذ نفساً عميقاً من غليونه، وأردف: هل أجبت على سؤالك؟ قلت: نعم ولا.. قال: ما هي لاؤك؟.. قلت: أشرت في حديثك أكثر من مرة إلى: نحن فمن أنتم؟ قال: نحن زعامة العالم:
الدول العميقة في الولايات الأمريكية المتحدة، وإسرائيل، وبريطانيا، وأوروبا، وحلف الأطلسي، ووكالات المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية والأوروبية، وهيئة الأمم، والجمعيات السرية، والمتنورين، والماسونية، وفرسان المعبد، وأرباب المال، وتجار السلاح، وبارونات النفط، وأساتذة الجامعات، وحتى أكون أكثر تحديداً: المسيحية واليهودية – الصهيونية، وكي يزداد عجبك أضيف: الشيوعية!.
هذا التحالف الهائل هو الذي يقوم بتنفيذ عمله الأوركسترالي المنظم، مستخدماً وسائله الجبارة من ثقافة وإعلام وإقتصاد وعسكرة وتسخير ديني للحفاظ على إبقائكم نياماً.
همست بما يشبه الأنين: أمة تنام ثم رفعت صوتي كأني أحدث نفسي: ولكن لا تموت!.
الأمة النائمة.. ولكنها لا تموت!
