الحرب الطائفية ضد السعودية قديمة تتجدد

تقارير مقالات

‏يوسف علاونة:
‏ما يجري عموما هو حرب طائفية (رافضية – خارجية) ضد المملكة العربية السعودية التي شكلت قديما وتشكل اليوم (بقية) ومنطلق الدولة الأموية العربية التي يناصبها هؤلاء العداوة والبغضاء.
‏وإن صح أن الهجوم على ⁧‫#بقيق‬⁩ من العراق فلا بد من رد.. قد يكون متمهلا كما هي عادة السعوديين تاريخيا!.
‏وهذا قدر المشروع العربي الإسلامي السعودي، وهو ليس ضعيفا كما يتخيل السطحيون المنغمسون بالمواقف المشينة والسخيفة ضد السعودية، فهذه بلد القبلة والحرمين، ومعها الآن مصر (وكانت ضدها) ومعها الإمارات الناهضة (لم تكن موجودة)، ويمكنها استنهاض كل الأمة للرد على المسوخ الطائفية وهزيمتها.
‏‏وحتى نعرف لماذا تتجمع ضد المشروع العربي الأموي السعودي كل من إيران وتركيا وقطر وعُمان والأقليات المتزندقة والعراق المستشيع والنصيرية والطورانية لا بد لنا من أن نعود إلى مجريات وقعت بالأمس غير البعيد مع وجود الدولة السعودية الأولى التي وقف ضدها كل هؤلاء المنحرفين والجهلة!.
‏وكما هي سيئة الآن لم تكن علاقات الدولة السعودية الأولى بدولة المجوس اللاطمة في إيران علاقة حسنة، وقد ازدادت هذه العلاقة سوءًا بعد هجوم الدولة السعودية الأولى الانتقامي على مناطق جنوبي العراق وهدم (المزارات) الشيعية المفبركة في كربلاء والنجف (الكوفة التاريخية) عام 1216هـ/1801م.
‏فبعد الهجوم السعودي المؤزر قرر شاه المجوسية الصفوية التدخل، وأبدى استعداده لغزو السعودية!
‏وأخبر بذلك الوالي التركي (العثماني) في العراق بل هدد بغزو العراق، إذا لم تستجب تركية لمطلبه بالانتقام من الدولة السعودية، عبر إرسال حملة عسكرية عثمانية قوية من العراق لتأديب السعوديين!.
‏وكما هو الحال اليوم من تعاطف (الأباضية) البين مع إيران، ساعد شاه المجوسية الصفوية سلطان مسقط عام 1217هـ/1802م ضد آل خليفة في البحرين الذين كانت تدعمهم السعودية!.
‏واستمرت إيران في تقديم المساعدات العسكرية إلى سلطان مسقط حتى تمكنت قوات عُمان من هزيمة آل خليفة وحلفائهم السعوديين!.
‏لكن السعودية لم تسكت وردت مباشرة في قلب مسقط!.
‏وعندما بدأت القوات السعودية تهدد سلطان مسقط سارعت الحكومة المجوسية إلى مساعدة سلطانها!. وظلت علاقة السعودية مع الدولة الفارسية سيئة حتى عام 1225هـ/1810م، عندما استعان آل خليفة بالفرس وحكام مسقط لإبعاد القوات السعودية من البحرين!.
‏‏‏‏‏‏واستغل حكام مسقط (الأباضية) الخلاف السعودي الفارسي وفعلهم ذلك كثير مثلهم في مناطق الخليج العربي عبر إقامة نوع من الوفاق مع الفرس، وأرسل سلطام عُمان سعيد بن سلطان سفارة إلى بلاط (الشاه) عام 1226هـ/1811م واشتغلت هذه السفارة لعقد معاهدة تحالف بين مسقط وبين فارس، ضد السعودية.!

وكما حصل من مساعدة الشاه محمد رضا بهلوي للسلطان قابوس ضد ثورة ظفار عام 1974 ساعدت دولة المجوس الفارسية سلطان مسقط بقوات عسكرية بقيادة جنرال فارسي يدعى صادي خان، الذي حارب القوات السعودية في عُمان واسترد منها حصون مدينتي سمايل ونخل وغيرهما والتي كانت تابعة للدولة السعودية.
‏وكجهد سياسي مماثل لما يبذله عقلاء الآن (للأسف دون جدوى)، فإن الزعيم السعودي، الإمام سعود بن عبدالعزيز عمل على إحباط التعاون الأباضي – الشيعي باعتبار ما لدى الطرفين من عداوة دينية فأرسل موفدا شخصيا إلى الشاه المجوسي الصفوي لكن ذلك لم يلق أي استجابة من الفرس لعداوتهم الشديدة!
‏بل إن الشاه الصفوي وقت ذاك كان مزهوا منتعشا بانتصار قوات محمد علي باشا (التركية) على الدولة السعودية، فأرسل إليه رسالة تهنئة ورد فيها:
‏”اطلعت على ما صنعت في قتال العرب وصبرت في احتمال التعب، واجتهدت في تجهيز الكتائب، وتشمير القواضب، حتى وطئت أرجاء التهامة بأقدام الشهامة، وخلصت أرض النجد بالعز والمجد، وفتحت باب الأمنية، بفتح الدرعية، وبالغت في دفع البدع، ونفي الدين المخترع (الخ الرسالة)”!.
‏فهؤلاء الروافض الشيعة كما هو حلفهم من أقليات الزيدية الجارودية والأباضية والنصيرية ومعهم الخوارج الإخونج والهوى التركي يروننا أصحاب بدع!.

وكما تبدي دولة ملالي اللطم المجوسي الآن شتى أنواع النفاق لدول صغيرة حول السعودية، ومنها سلطنة عمان ودولة قطر وكما هي مستعدة لعلاقات الود مع أي طرف ضد السعودية فقد أهدى الشاه محمد علي سيفا قديما متوارث عن ملوك الفرس وكذلك خاتم فيروز لأحد ملوك الفرس البويهيين من اللاطمين الشيعة.
وكما هو وضع التلاعب الأميركي الحاضر بهذا النزاع الطائفي، فقد كانت القوة الاستعمارية البريطانية الصاعدة تدخل على خطوط هذه التطورات، حيث حدث اتصال سعودي انجليزي خصوصا بعد تحالف السعوديين مع القواسم الأعداء التقليديين للأباضية وبريطانيا الأمر الذي استفز بريطانيا العظمى كثيرا!.
‏أمام هذا الواقع وفي نطاق الخشية الانجليزية من تطور للعلاقات السعودية الألمانية بما يهدد مصالحها العظمى في الهند، فقد عملت بريطانيا على أخذ موقف تصالحي ناحية الدولة السعودية الأولى جراء شعورها بأن مصالحها الإستراتيجية، في الكويت وجنوب العراق، أصبحت معرضة للتأثير السعودي.
‏وقد قدم رجال شركة الهند الشرقية، ذراع الاستعمار البريطاني في الهند الهدايا للمسؤولين السعوديين، حفاظا على سلامة بريد الشركة بين البصرة وحلب على تخوم الدولة السعودية، وأرسلت بريطانيا رينود أحد مساعدي الوكيل مانيستي عام 1214هـ/1799م إلى الدرعية كرئيس بعثة بريطانية رسمية معتمدة.
‏وكان هناك موقف إنجليزي معاد للسعودية في عدة مواقف منها اشتراك جنود بريطانيين في صد هجوم سعودي غرب الكويت!..
‏كما كانت بريطانيا تساند موقف سلطان عُمان وكذلك آل خليفة ضد السعودية!.
‏مع مسبب رئيسي لسوء العلاقة وهو الموقف العدائي ضد القواسم حلفاء السعودية في “ساحل عمان” (الإمارات).

وقد قدم رينود إلى الدرعية من الكويت ومر بالقطيف والهفوف، واستقبله السعوديون في الدرعية استقبالا حسنا وحاول، رغم الموقف المتشدد من الاتصال عموما ب (النصارى)، وحاول رينود الحصول على وعد من الإمام عبدالعزيز بن محمد بتأمين سلامة بريد الشركة من البصرة إلى حلب ولكن دون جدوى!.
‏فقد كان هناك حساسية ميزت الدولة السعودية الأولى ضد (الأجانب النصارى)، هذا فضلا عن أن هذه الدولة لم تكن في وارد إقامة علاقات دبلوماسية واتصالات وثيقة مع الدول (الصليبية) الاستعمارية، وهو ما يفسر اندفاع الملك عبدالعزيز مع الولايات المتحدة كدولة غير استعمارية (في حينه 1945)!.
‏ولذا كان الجانب البريطاني هو المبادر دائما لفتح قنوات الاتصال وليس السعودية، ومن ذلك الرسالة البريطانية إلى الدرعية والتي حاولت تفسير الموقف المتشدد القواسم باعتبارهم نقضوا شروط معاهدة عام 1220 هـ/1806م، المعقودة بينهم وبين شركة الهند الشرقية، فكانت بريطانيا تتهمهم بالقرصنة!.
‏وتعيد دراسات موقف بريطانيا اللين من السعودية إلى قناعة في لندن بأن الدولة السعودية الأولى هي قوة نامية مؤثرة في الخليج، ولا بد من التعامل معها بما لا يغضبها وبما يضمن إبعادها عن نقاط النفوذ البريطاني، مع اتباع دور الوسيط المحايد بين سلطنات ومشيخات المنطقة في خلافاتها المحلية.
‏وكما موقف أميركا الحالي يبدو مشجعا لإيران عبر السكوت عن تصرفاتها ضد السعودية، ظل الموقف البريطاني ملتبسًا غامضا إلى أن تم القضاء على الدولة السعودية الأولى على يد (إبراهيم باشا) عام 1233هـ/1818م فأفصحت بريطانيا عن كراهيتها بعد سقوط الدرعية.. حيث لا مصلحة لها بدولة محلية قوية!.

وكما رقص الشاه المجوسي الصفوي فرحا بهزيمة محمد علي للسعوديين، أرسلت لندن الحاكم البريطاني العام في الهند (سادلر) إلى الدرعية ليهنئ (إبراهيم باشا) بنجاحه في القضاء على الدولة السعودية الأولى، هذا فضلا عن غبطة الحكومة البريطانية عبر تصريحات رسمية صدرت في لندن بسقوط الدرعية!.
‏أما العثمانيين أجداد (رجب إردوغان!) فقد كان لديهم أسباب أشد للفرح والسرور حيث كان الإمام عبدالعزيز بن محمد أمر قواته عام 1208هـ/1793م، بالتوجه إلى دومة الجندل على أطراف الشام لاستطلاع قوة الولاة العثمانيين!.
‏ومأزق الترك مع الدولة السعودية أنها كانت تفضح انحرافهم الديني، ‏وتبطل حجتهم التي يستخدمونها كذريعة كاذبة بوصم كل تمرد بالنزعة (الوطنية) باعتبار السلطان يمثل وليًا شرعيا لأمر المسلمين!.
‏وعام 1212 هـ/1797م، قاد حجيلان بن حمد أمير القصيم جيشًا من أهل القصيم الأبطال، فأغار على بوادي الشرارات وقتل عددا من رجالهم وسلب كثيرا من أموالهم ومتاعهم!.
‏وكغيرهم من الشعوب العربية فقد كان أهل الشام الذين بلغوا حد القرف من الاستعمار التركي يتوقون لحاكم عربي، ولهذا نشرت الحملة القصيمية وغيرها مبادئ الدعوة الإصلاحية والعودة لأصول الدين ووصلت الزكاة من بوادي الشام في عام 1218هـ، مبالغ ضخمة، وأصبح ولاء أهل بوادي الشام واضحا للدرعية.
‏وكان في الشام والعراق السني ومصر دائما صدى للقيادة السعودية بإسلامها النقي من البدع.

وشجع هذا الدولة السعودية على التصدي للبدعية التركية العثمانية التي كانت وكما هي الآن لأسباب الوهم التاريخي المريض تقف إلى جانب الفرس، تماما كما فعل هذا الانجليز ضد التجدد العربي الذي تمثله.
‏وفي هذا السياق، عندما صار الحجاز ضمن نفوذ الدولة السعودية صارت في تضاد مباشر مع الهرطقات والبدع العثمانية المستتركة، فقام الإمام سعود بن عبدالعزيز عام 1221هـ/1806م بمنع أمير الحج (عبدالله باشا العظم) المعين من السلطان، من الوصول إلى مكة بالمحمل تحفه طبول ومزامير الشرك بالله!.
‏واعتبر السلطان (العثمنلي) سليم الثالث أن خضوع (أمير الحج) عبدالله باشا العظم – كان دمشقيا – للسعوديين هو (تواطؤ بين (عرب وعرب) فقام بعزله عن منصبه بتهمة التقاعس عن مواجهة القوات السعودية، ورجوعه بالحجاج بناء على أمر من الإمام سعود، وعين بدلا منه يوسف باشا كنج ولكن دون جدوى!.
‏فالرجل (كنج) لم يقم مما أراد السلطان، وأخذ يجمع الأموال لنفسه ويماطل عبر إرسال الخطط الحربية للسلطان، فاقترح أن تضاف إلى جهوده قوات من ولايتي العراق ومصر لقهر السعوديين الذين كانت قواتهم تدق الحصون التركية في بلاد الشام، وتمكنت من الوصول إلى قمم جبل الشيخ في هضبة الجولان!.

كما سيطرت القوات السعودية على سهل حوران، وهاجمت حصون الترك في المزيريب وبصرى الشام.
‏وأعلن كثير من وجهاء الشام ولاءهم للدولة السعودية وردوا بالإيجاب على مكاتبات الإمام سعود بن عبدالعزيز الذي دعاهم إلى الدخول في الطاعة واعتناق الدعوة السلفية وجمع الزكاة لصالحه كزعيم للمسلمين.
‏وتحت وطأة الضغط أصدر السلطان (العثمنلي) محمود الثاني أوامره بعزل يوسف كنج لعدم كفاءته وعين محله (على الشام) سليمان باشا وطلب منه الاتصال بواليه في مصر محمد علي باشا، لكن هذا الأخير كان يحتقر سليمان باشا، فوقع التركيز التركي على ولاية مصر لقهر طموحات الدرعية.
‏وعلى الرغم من تقلبات العلاقة مع كل من آل خليفة في البحرين وآل ثاني في قطر (الزبارة) فإن تكييف العلاقة مع الحاضرتين لم يكن صعبا على الدولة السعودية.
‏وقد كانت لبحرين تحت سيادة آل خليفة انطلاقا من حصنهم التاريخي في الزبارة (قطر) فمنه كانوا يديرون منطقة حكمهم منذ عام 1196هـ/1782م.
‏وقد ترك آل خليفة الزبارة بعد دخول القائد السعودي إبراهيم بن عفيصان إليها وغادروا إلى بلدة جوا في البحرين عام 1212هـ /1797م.
‏لكن هذا الوضع لم يدم بسبب الاحتلال العماني للبحرين حيث عين السلطان بن أحمد حاكم مسقط عام 1215 هـ/1800م، أخاه سعيد بن أحمد حاكما على البحرين.
‏وهنا عاد آل خليفة إلى بلدتهم الزبارة بحماية السعوديين، ثم توطدت علاقتهم مع الإمام سعود بن عبدالعزيز فناشدوه مساعدتهم على استرجاع البحرين، فجهز جيشا بقيادة أحد أهم رجاله وهو إبراهيم بن عفيصان الذي طرد قوات سلطان مسقط من البحرين عام 1224هـ/1809م وأعلن ضم البحرين إلى السعودية.
‏ولم يعجب هذا الوضع بطبيعة الحال آل خليفة فطلبوا العون من سلطان مسقط ومن الفرس وأقاربهم العتوب، وهاجموا الحامية السعودية وهاجموا الحامية السعودية، واعتقلوا قائدها فهد بن سليمان بن عفيصان ومعه ستة عشر رجلا من السعوديين، اتخذوهم رهائن حتى تطلق الدرعية آل خليفة المعتقلين فيها!.
‏وفي عام 1225هـ/1810م، أطلق الإمام سعود بن عبدالعزيز زعماء آل خليفة وعادوا إلى بلدهم، وأسفر الانشغال السعودي على جبهات أخرى عن علاقة طيبة مع آل خليفة استمرت حتى اليوم دون أي منغصات.

لكن ما حدث هو أن آل خليفة وبسبب صعوبة المواصلات مع البر القطري (الزبارة) ففقدوا السيطرة عليه.
‏استنجدت القبائل الغفارية (السنية) في أرض عمان بالدولة السعودية جراء ما لقيته من التنكيل من القبائل الهنائية (الأباضية) فأطلق الإمام عبدالعزيز بن محمد حملتين إلى هناك الأولى بقيادة القائد مطلق المطيري والثانية بقيادة إبراهيم بن عفيصان عبر جيش كبير فتم إخضاع أجزاء من عمان.
‏وطلبت قبيلة بني ياس الأمان من الدرعية وتبعتهم قبيلة نعيم في البريمي.
‏وتم إيفاد عالم فقه ليعلم هؤلاء مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومؤلفاته
‏وكان هذا مناسبا للقبيلتين وهما من السنة وترى في قوة آل سعود ما يعينها على صراعها ضد القبائل الهناوية الإباضية الخاضعة لحاكم مسقط.
‏وأقام القائد إبراهيم بن عفيصان عام 1210 هـ/1795م قلعة الصبارة في واحة البريمي لتكون قاعدة للقوات السعودية في المنطقة.
‏ثم عينت الدرعية القائد سالم بن بلال الحرق أميرا على المنطقة عام 1214هـ/1800م، فما فتئ يوسع نفوذ الدولة السعودية في عُمان بما في ذلك القبائل الساحلية.
‏وهكذا خضعت قبائل النعيم والظواهر وبني قتب (القتبي) وبنو علي وبنو راسب للدولة السعودية، والتزمت بأداء الزكاة.
‏وامتد نفوذ الدولة السعودية الأولى إلى عُمان والساحل، مما أثار القبائل الهناوية ضد القبائل الغفارية، المؤيدة لآل سعود، والمدعومة من قبلهم.
‏وتحت ضغط الحملات العسكرية السعودية المتواصلة، والتي وصلت إلى سهل الباطنة، اضطر سلطان مسقط، سلطان بن أحمد، إلى طلب الصلح من الإمام عبدالعزيز بن محمد، قبيل اغتياله وعقدت هدنة، مدتها ثلاث سنوات، مقابل جزية سنوية يدفعها سلطان قدرها خمسة آلاف ريال وذلك نظير حماية أراضيه.
‏ثم حصل تطور لافت إذ اعتنق السلطان العماني بدر بن سيف آل سعيد، الذي خلف سلطان، دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب!.

إلا أن هذا الموقف لم يعجب أسرة آل سعيد فثاروا عليه وقتلوه عام 1221هـ / 1806م، وتولى الأمر بعده، السلطان سعيد بن سلطان الذي حارب القوات السعودية واعتمد على العون من ‏ابن عمه قيس بن أحمد، لكن قوات الأمير مطلق المطيري ردت الهجوم، وهزمت القوات العُمانية في معركة سميت £موقعة خور) على ساحل خليج عمان شر هزيمة وقتل قيس بن أحمد.
‏وبعد هذه الموقعة الكبيرة صارت الطريق مفتوحة أمام القوات السعودية، لدخول جميع عُمان والسيطرة عليها بما في ذلك مسقط!.
‏وعقب المعركة بقليل انطلق القائد مطلق المطيري على رأس قواته ودخل ميناء مطرح ثم واصل زحفه حتى احتل مدينة مسقط نفسها. وأعلن عن ضم معظم مدن عُمان وقراها إلى السيادة السعودية.
‏أمام هذا لم يجد سلطان عمان (سعيدبن سلطان) بدا من العودة إلى دفع الجزية إلى الدولة السعودية!.
‏ولم تعجب هذه التطورات الانجليز!.
‏وأثارت الأحداث مخاوف بريطانيا على مصالحها في المنطقة وظهرت عدم رغبتها ببروز قوة عربية كبرى، فأرسلت قوة بحرية من الهند واستولت على رأس الخيمة عاصمة القواسم حلفاء السعوديين عام 1224هـ/1809م، وهددت القوات السعودية ثم عادت إلى قواعدها في الهند.
‏لكن هذا الإنذار الانجليزي لم يفت في عضد الدولة السعودية، وتحدى القائد مطلق المطيري التحركات الانجليزية، وهاجم قوات سلطان مسقط وأذاقها هزيمة مرة في منطقة شناص وهيمن على سهل الباطنة العماني ثم عاد إلى قاعدته في البريمي.
‏وفي عام 1225هـ/1810م خرج ثلاثة من أبناء الإمام سعود بن عبدالعزيز وهم: تركي وناصر وسعد إلى عُمان، من دون علم والدهم، وانضموا إلى قوات مطلق المطيري، واستولوا مع قبائل الظواهر والجنبة وبني قتب والدروع، على مدينة مطرح الساحلية وعلى خلفان وجعلان وصور وصحار!.

وحصل تطور مهم عندما نقضت قبيلة بني ياس عهدها مع الدرعية، وثارت على الحامية السعودية، وأبادت معظمها فأرسل الإمام سعود قائده مطلق المطيري، إلى عُمان وأنزل هزيمة مرة بقوات سعيد بن سلطان، واستمر هذا القائد في جهوده لإخماد الاضطرابات، إلى أن قتل، في جعلان عام 1228هـ/1813م.
‏في المرحلة التالية انشغلت هذه الدولة السعودية المباركة بالحرب مع قوات محمد، لكن هذه الجهود في عُمان أسفرت عن تسنن قبائل كبيرة في عمان العقيدة السنية الصحيحة ومنها قبائل: النعيم وبني ياس وآل علي والعوامر وبني قتب وبني كعب والهشم والجنبة وبني راسب والقواسم، وغيرها من القبائل.
‏كما دخلت قبيلة النعيم في طاعة الدولة السعودية والتزمت مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتم السعي لنفس الموقف مع القواسم في رأس الخيمة، عبر رئيسهم الشيخ صقر بن راشد إلا أنه لم يظهر الاستجابة فوقعت معركة بينه وبينه قبيلة النعيم معززة بدعم سعودي لكن الشيخ صقر صمد على موقفه، ‏فاضطرت الدولة السعودية إلى إرسال قوات كبيرة بقيادة مطلق المطيري الذي حاصر رأس الخيمة، واضطرها لطلب الصلح منه، وقبل القواسم عام 1212 هـ/1797م تعاليم الدعوة، ودفع الزكاة إلى الدولة السعودية، وأعلن سلطان بن صقر القاسمي خضوعه للدرعية، واعتناق مبادئ الدعوة الإصلاحية.
‏تحسب سلاطين بني عثمان من الدولة السعودية، وشنوا عليها الحملات ومنها حملة ثويني بن عبدالله رئيس قبائل المنتفق على القصيم، عام 1201 هـ/1786م، ومعه حشود من قبائل المنتفق وأهل المجرة والزبير وبوادي شمر وغالب وطيء.
‏وشن ثويني هجوما على التنومة، واستولى عليها وقتل كثيرا من أهلها.
‏ثم حاصر بريدة، لكن ارتد عنها خائبا بسبب نشوب صراعات في جنوب العراق فقفل عائدا إلى هناك.
‏وعلى أثر ذلك أرسل الإمام عبدالعزيز بن محمد رسالة إلى (سليمان باشا الكبير) والي بغداد مصحوبة بنسخة من كتاب الشيخ محمد بن عبدالوهاب (التوحيد الذي هو حق الله على العبيد)!.. وطلب منه جمع علماء أهل السنة في بغداد، للنظر في الكتاب، والبحث بما جاء فيه، إلا أن الوالي، استخف بهذه الدعوة إلى الحوار، وكان رده سلبيا متعجرفا، وقلل من شأن الدعوة للإصلاح وتنقية سلوك الدولة من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان وساهمت دولة بني عثمان بانتشارها.
‏بعد ذلك قامت القبائل الشيعية في العراق، مدفوعة بتحريض عثماني وصفوي، بشن هجمات على رعايا الدولة السعودية ومصالحها ومساندة الخارجين على النفوذ السعودي، من المدن النجدية، فرأى الإمام عبدالعزيز بن محمد، أن يقوم بأعمال تأديبية ضد هذه العشائر، في جنوبي العراق.
‏وقاد الإمام سعود بن عبدالعزيز عام 1203 هـ/1788م، قوة عسكرية فاجأت قبائل المنتفق، في منطقة تسمى الروضتين، وهي تابعة حاليا لأراضي دولة الكويت وتقع بين المطلاع وسفوان.
‏وقد كانت هذه الحملة ضد قبائل المنتفق (تلفظ المنتفج) هي أول حملة سعودية تستهدف حدود العراق.
‏وأسفر تحول جنوب العراق إلى مركز للجوء الخارجين على الدولة السعودية ورد الفعل القوي من هذه الدولة عن مكاتبات بين السلطان في اسطنبول وواليه على بغداد سليمان باشا الكبير، من أجل تسيير حملات عسكرية ضد الدرعية، إلا أن سليمان باشا لم يستطع تنفيذها لعدم معرفة قواته بالصحراء.
‏قررت السلطنة العثمنلية كعادتها القميئة بسياسة فرق تسد ضرب العرب بالعرب فأطلق سليمان باشا سراح ثويني بن عبدالله الذي كان اعتقله بسبب اضطرابات داخلية وأعاد إليه إمارة قبائل المنتفق بدلا من حمود بن ثامر مقابل قبوله تزعم لواء الحرب على الدولة السعودية!.
‏انطلق هدا الجاسوس المتمصلح (ثويني) هذه المرة متجنبا الدرعية متخذا طريق الإحساء لأن حملته، كانت تضم زعامتين من بني خالد، هما براك بن عبد المحسن، ومحمد بن عريعر اعتقادا منه بأن هذا سيسهل مما فتح الأحساء، ولأنه رغب بالحصول على دعم الأسطول العثماني خلال توغله عبر السواحل.

لكن الحملة أخفقت وقتل مولى من موالي بني خالد ثويني هذا قبل أن يقوم بأي عمل ضد القوات السعودية التي تم استنفارها من الدرعية ناحية مدن وقرى الأحساء، وأصاب الاضطراب والخلل صفوف الحملة العراقية، فاضطرت إلى التراجع تجر أذيال الخيبة وتعقبتها القوات السعودية حتى حدود الكويت.
‏واستولت القوات السعودية على الكثير من المعدات والمدافع، وانضم براك بن عبد المحسن إلى آل سعود، قبل أن يقوم الإمام سعود بهجوم على جنوبي العراق، وغزا سوق الشيوخ والسماوة ووصل منطقة أم العباس.. وخلال هذه الحملة قتل مطلق الجربا رئيس بوادي شمر.
‏جن جنون السلطان العثماني فصمم على الانتقام مستغلا تواطؤ الدولة الصفوية بتحريضها شيعة العراق على مهاجمة السعوديين، فتم تنظيم حملة سميت حملة (آي الكيخيا) علي بك ضمت عشائر كردية وعربية، وقبائل الخزاعل الشيعية، وكان ذلك عام 1213هـ/1798م.
‏وقد انقسمت الحملة، في البصرة إلى قسمين:
‏- فرقة الفرسان بقيادة علي باشا وسارت عبر الإحساء.
‏- فرقة المشاة والمدفعية، وأبحرت على سفن تم استئجارها من تجار خليجيين!.
‏وساهم العتوب في الكويت والبحرين في هذه الحملة التي وصلت إلى المبرز والهفوف، وحاصرت حصنيهما وكان على رأس حامية حصن المبرز، سليمان بن محمد بن ماجد، وكان على رأس ‏حامية الهفوف، إبراهيم بن سليمان بن عفيصان.
‏وصمد الحصنان في قتال بطولي مما ترك أثرا سلبيا على معنويات المهاجمين الذين أخذوا بالفرار مع نقص بالمعدات والمؤن فاضطر علي بك هذا إلى العودة إلى بغداد لاعقا مرارة الهزيمة والخذلان.
‏على الرغم من هزيمته المرة ورغم أن الإمام سعود لاحق قواته إلا أن علي (الذي أصبح باشا) باشر مفاوضات مع الزعيم السعودي وكان من الغريب أنه قدم إليه جملة من الشروط المطلوب تنفيذها لعقد سلام بين الدولتين.
‏وكانت هذه الشروط قبل توقيع الصلح تنص على:
‏- خروج الدولة السعودية من الإحساء
‏- دفع تكاليف الحملة
‏- إعادة الغنائم
‏- عدم التعرض للحجاج
‏وبالطبع كانت هذه شروطا غير واقعية وكان هدفها التغطية على الهزيمة وتبريرها بالحصول على هذه المكاسب!
‏أما الرد السعودي فكان شديد الدهاء كما هي عادة آل سعود مع الحمقى والبهائم من خصومهم!.
‏رد الإمام سعود على رسالة علي باشا برسالة لا يستشف منها القبول ولا الرفض!.
‏وإنما أجل ذلك لما يراه والده الإمام (عبدالعزيز بن محمد بن سعود).. وكان يعلم بأن والده لن يوافق على شرط واحد وإنما هي فرصة لكسب الوقت وضمان انسحاب القوات العثمانية من الأحساء!.
‏‏وهنا نص رسالة سعود:
‏”جاءنا كتابكم وفهمنا معناه،
‏فأما الحسا فهي قرية خارجة عـن حكم الروم (الترك) ولا تساوي التعب!.
‏وما في شيء يوجب الشقاق!
‏وأما الأطواب (الأسلاب) فهي عند والدي في الدرعية إذا صدرت إليه، أعرض الحال بين يديه والوزير سليمان باشا أيضاً يكتب له فإن صحت المصالحة وارتفع الشقاق من الطرفَين، فهي لكم، وأنا كفيل بها حتى أوصلها إلى البصرة!.
‏وأما مصاريفكم فإني لا أملك من الأمر شيئا والشورى في يد والدي!.

وأما (الأمن) فهي التي لا زلنا نقاتل الناس عليها حتى جعلنا الأرض كلها وجميع المسلمين مشتركين فيها وصار الذئب لا يقدر يضر الشاة، في أحكامنا”!.
‏‏‏بعد هذا أدركت الأستانة عجز العراق عن إلحاق الضرر بالدولة السعودية، ولذا قررت الاستعانة بمصر لإنجاز المهمة، وهذه أمثولة تاريخية تفسر مقدار غضب (اردوغان) وأتباعه من قطيع (الإخوان) على السور العظيم الذي تحوزه السعودية عبر العلاقة الوطيدة مع مصر ليظل العراق أرضا رخوة غير ذات بال!.
‏فالحالة الشيعية وسواها في العراق لا تشكل أي خطر على البلاد السعودية، فعبر إمكانات عسكرية بسيطة يمكن (اليوم) في فضاء الصحراء العميقة والمكشوفة سحق أي محاولة للتعرض، تماما كما تم في (الماضي) هزيمة كل توغل غريب يجهل طبيعة الصحراء ولا يقدر على ظروفها ولا يفهمها!.
‏اللطم هنا واجب!.
‏لم يدم الصلح بين الجانبين فقد قتلت قبيلة الخزاعل الشيعية، حوالي ثلاثمائة رجل من أتباع الدولة السعودية عام 1214هـ/ 1799م قرب النجف!.
‏طالب السعوديون والي بغداد بدفع الدية فكلف عبدالعزيز بن عبدالله الشاوي بزيارة الدرعية عائدا من الحج لتسوية الأمر مع الإمام عبدالعزيز بن محمد.
‏ولم تنجح المحادثات، ولذلك هاجمت القوات السعودية بقيادة الإمام سعود عام 1216هـ/1801م مجمل جنوب العراق، ونكلت بالشيعة أيما تنكيل خصوصا قبيلة الخزاعل وهدمت القباب والأضرحة والمزارات وقبة قبر الحسين في كربلاء، انتقاما من الشيعة.
‏وعادت إلى بلادها غانمة حيث فر رؤوس الشيعة لإيران.
‏وكعادة الشيعة في المبالغة وخلق الأساطير فإن الأدبيات الشيعية حولت هذه الوافعة إلى لطمية أخرى فتفيد بأن القوات السعودية كان تعدادها 12 ألف مقاتل قتلوا أهالي المدينة حتى الشيوخ والنساء والأطفال وقد جاوز عدد القتلی 2000 قتيل واستولوا علی مرقد الإمام الحسين وهدموا القبة!.
‏ونهبوا النفائس والمجوهرات والسجاد الفاخر والمعلقات الثمينة والشمعدانات وقلعوا الأبواب المرّصعة بالاحجار الكريمة!.. وأن الهجوم استمر لمدة ثماني ساعات، ثم خرجوا من كربلاء عند الظهر ونقلوا ما نهبوه على أكثر من أربعة الاف جمل!.
‏وكطبعه في الكذب يورد التشيع المجوسي سببا لا علاقة له بما جرى وهو أن السعوديين جاؤوا لهدم المراقد كما فعلوا بالحجاز وأن (الجشع الوهابي) سال لعابه لنهب ثروات لا مثيل كانت تتوارد على ضريح الحسين طوال قرون، وهي هدايا من الفضة والذهب والأحجار الكريمة، وعدد كبير من التحف النادرة!.
‏جرت محادثات صفوية تركية أقلها لتسهيل حملة انتقامية للشاه الصفوي ضد السعودية،
‏ولكن استمرت الحملات السعودية على جنوب العراق.
‏ووقعت محاولة أخرى لاحتلال كربلاء عام 1223هـ/1808م، ثم توقفت حملات الدولة السعودية على جنوبي العراق.. فهل يريد البعض حصول هذا!؟
‏هذا هو السؤال!.