الخلق والقرآن والإنسان.. وهل حواء أجمل أم أكمل!؟

مقالات

 

يوسف علاونة

 

الجن في اللغة عكس الإنس، فالإنس من الأنس والأنس بتسكين النون بعد ضم الهمزة، فكان الإنسان هو الأنيس الونيس الذي خلق من التراب ويضم فيزيائيا كل مكونات الخلق، من التراب والنار والماء والهواء، وموسى عليه السلام لما رأى النار قال إني آنست نارا، فيما خلق الجن من نار السموم وهي ذروة اللهب عند احتراق الأشياء ونشوء النار، وهم خلق مختبئون عن الناس غير ممكن رؤيتهم، ونحن نقول الجنين من الأجنة، وجن الليل..

والله سبحانه وتعالى فضل الجنس البشري، فقد كان آدم مخلوقا من طين من حمأ مسنون فلما شاء أن يبث فيه الروح نفحه من روحه جل شأنه.

ولو تأملنا في الخلق ونحن مأمورون بذلك كوسيلة من وسائل اليقين بالله الخالق سبحانه، فالأولى بنا أن نتأمل صورة الإنسان ومكنونه باعتباره آخر الخلق، سخر الله له ما في الأرض جميعا، وأعني نسل آدم وحواء، التي هي (حواء) آخر الخلق، دون أن يعني ذلك توقف الخلق من الله بمعيار القدرة الإلهية والتي لا نعيار لها، فالله قادر على أي يخلق ما يشاء، ومن غير حساب ودون إحاطة من جانب بشر أو غيرهم، “قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ” آل عمران (47).

عن التدبر في خلق الإنسان والأرض يقول سبحانه: “قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” العنكبوت (20)، وقوله تعالى: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ” آل عمران (190).

لكن في نفس السورة (آل عمران) يأتي الجواب بأن لا شيء جديد، فعيسى ابن مريم من تراب كآدم، إذ يقول سبحانه: “إنّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ” آل عمران (59).

ولا أحد من الخلق يخلق شيئا دون إذن الله جل وعلا فحتى عيسى عليه السلام وغيره من البشر لا يمكنهم خلق شيء من العدم، ولا جعله حيا يتحرك إلا بأمر الله وتقديره: “وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” آل عمران (49).

فالله وحده الفاطر بمعنى موجد الشيء من العدم، أما غير الله فلا يخلق شيئا من دون إذن الله وتقديره للمادة المخلوقة أصلا من العدم بقدرة الله وحده، ولذلك يقال في القرآن “أحسن الخالقين” وليس “أحسن الفاطرين” فلا أحد (يفطر) الأشياء من اللاشيء والعدم إلا الله: “ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ” المؤمنون (14).

وجاء ذكر خلق الإنسان من الطين ومن الحمأ المسنون عدة مرات في القرآن: ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ” المؤمنون (12)، وقوله تعالى: “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ* ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ” السجدة (7-8-9)، وقوله تعالى: “أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ” يس (77)، وقوله سبحانه: “خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ” الرحمن (14)، وقوله تعالى: “إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا” الإنسان (2)، وفي كل حال فالإنسان خلق على مكابدة ومشقة يواجهها رغم اعتدال خلقه ودقته وقامه الجميل: “لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ” البلد (4)، وفي وصف آخر: “خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ” العلق (2)، وكتب التفسير والطب النبوي والأحاديث الشريفة بها مباحث واسعة عن النطفة والعلقة والمضغة.. ألخ من مراحل التخليق التي أودعها الله في الأنسان حيث يجد المراجع ما يكشف له دقة الوصف القرآني المُجلّى بالأحاديث النبوية لمسألة الخلق.

خلق الأرض

وطالما أن الحياة البشرية حصرت (حصرا) في الأرض فلا بد أن نلم بالآيات التي تحدثت عن خلق الأرض بالقرآن الكريم: “الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ” البقرة (22)، وهنا وبنص قاطع، واضح أن الله جهز الأرض مسبقا لآخر خلقه وهو الإنسان بقوله تعلى (فأخرج به من الثمرات رزقا لكم)، ثم قوله تعالى ” هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” البقرة (29).

إذاً كانت الأرض مكتملة الخلق قبل خلق البشر فقد بثّ الله فيها من كل دابة: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ” البقرة (164)، وحتى الغراب كان موجودا قبل الإنسان على الأرض إّذ هو من دل قابيل على طريقة مواراة جثة أخيه بعد أن قتله: “فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ” المائدة (31)، ومع اكتمال الخلق كان كل شيء مما خلق الله على الأرض أمم مثل بني البشر يسبحون الله على طريقتهم التي يعلمها الله ولا يدركها البشر: “وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” الأنعام (38)، فالأرض مسخرة للبشر قدّر الله تمكينهم من كل ما فيها: “وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ” الأعراف (10)، في الآية التالية مباشرة يروي القرآن الكريم قصة خلق الإنسان بقوله تعالى: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ” البقرة (30)، ليكون تفضيل الله لآدم على الملائكة وبقية الخلق بأن أمرهم بالسجود له وقبل ذلك برهانه لهم على علمه: “قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ” البقرة (33)، حيث كان أمر الله للملائكة بالسجود لآدم: “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ” البقرة (34)، ثم أمر الله آدم بأن يسكن وزوجه الجنة مع ملاحظة اجتهادات التفسير في شأن (الجنة) هل هي جنة في الأرض أم في السماء: “وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ” البقرة (35)، فهناك آيات كثيرة تدل على أن جنة آدم وحواء كانت في الأرض، كما تدل الآية في سورة الكهف مثلا: “وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا” الكهف (35)، وكذلك الآية: “وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا”، وكذلك الآية: “فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا” الكهف (39-40)، أو كما في سورة الرعد: “وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ” الرعد (4).

لكن الآيات في سورة الأعراف تروي بالتوالي المتصل موضوع الجنة التي أمر آدم وقبله إبليس الملعون بأن (يهبط) أو (يخرج) منها: “وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ* قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ* قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ* قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ* قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ* قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ* وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ* وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ* فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ* قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ* قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ* قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ* يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ” الأعراف (11-27).

والله أصلح الأرض بكمال خلقه ثم دعا الإنسان لعدم إفسادها: “وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ” الأعراف (56)، وقال أيضا: “وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ” الأعراف (57).

والإنسان مستودع من الأسرار، وقبل الخوض في أمره يتعين أن نتدبر في مسألة الخلق والتخليق التي بذرها الله في الأرض، فجعل كل شيء من الدواب من الماء، وجعل الماء سببا لكل نبات من النبات الـ (شتى) الذي سخره للناس قبل وبعد خلقهم.

لماذا الأرض أولا؟..

في القرآن ما يجيب على كل سؤال في شأن الخلق وفي شأن الإنسان، فيقول الله سبحانه وتعالى عن الأرض قبل خلق آدم: “هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” البقرة (29).

وفي الآية التالية عن الخلق في نفس السورة يقول سبحانه: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ” البقرة (164).

وكما في الآية يتبين إنزال الماء من السماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وهذا سابق لخلق لإنسان فليس معقولا أن الأشياء وجدت قبل من يحتاجها.

والذي لا خلاف عليه أن الله خلق أولا آدم ثم خلق من آدم حواء: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” النساء (1).

وقد نزل الإنسان بعد تجهيز الأرض بكل متطلبات الحياة حيث لم يبق شيء إلا وخلق الله منه من كل شيء زوجين، فقد خلق كل شيء من الماء، والماء أنزله الله من السماء فأحيا به الأرض بعد موتها، فبدأ خلق كل شيء من الماء وفي الماء، وذلك باستثناء الإنسان: “وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” النور (45).

يقدر العلماء عمر الكون بـ 13,5 بليون سنة، فيما عمر المجموعة الشمسية من درب التبانة أقل من أربعة بلايين سنة، ليكون الإنسان بعد ذلك بكثير جدا حيث تطلب تمهيد الأرض وإحيائها بعد موتها حقبا طويلة لم يكن فيها الإنسان موجودا: “هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا” الإنسان (1)، فالعلم يظهر أن الديناصورات ظهرت في الألف مليون سنة الأخيرة من عمر المجموعة، والتفسير العلمي لاختفائها أن الله أراد ذلك أيا كانت الطريقة التي يتتبعها العلماء، مثل القول بنيزك عملاق تم قصف الأرض به أو سقط عليها، وكل ذلك بإرادة الله فاختفى النبات وحل الظلام بفضل عاصفة هائلة استمرت لسنوات، لكن الأهم من هذا هو أنه لم يتم تأكيد أي وجود للخلق قبل آدم فلا يوجد أي أثر لحضارة أخرى قبل حضارة البشر.

وقد تمت عملية الخلق على الأرض بالنظر إلى الآيات التي تشير لهذا مباشرة مثل: “وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا” نوح (17)، وقوله تعالى: “مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى” طه (55).

المهم أنه وبعد أن كانت الحياة في الأرض غزيرة في الماء بدأت الأرض تكتسي بالنبات من كل صنف، وساعدت عوامل التعرية والرياح والطبيعة في نشر هذا النبات في جنبات الأرض التي تصلح لنمو النبات، ثم تطورت المخلوقات صعودا بإرادة الله من برمائية إلى برية ثم صحراوية حيث ضرب المثل بالقرآن بمخلوقات الصحراء كالإبل والنخيل.

وهكذا يكون كل الخلق كان سابقا للبشر لأن الله يقول: “وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا* أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا* وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا* مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ” النازعات (30-33)، فالحياة الأولى كانت في الغالب مائية ثم بدأ التطور البرمائي، حيث أجساد المخلوقات القادرة على العيش برا وبحرا هي أكثر تطورا، لتكون الذروة بالإنسان كمخلوق بري يسيطر على كل شيء برا وبحرا وجوا.

وأعطى الله المثال على النخيل (الصحراء): “وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ* وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ” ق (9-10)، وضرب مثلا بالإبل: “أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ” الغاشية (17).

خلقٌ من تراب

والإنسان خلق في أحسن شكل: “لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” التين (4)، وهذا في الشكل فقط لأن الصفات التي أوردها القرآن للإنسان تتحدث عن نفس فيها الكثير من النقص والسلبيات، والجموح، والميل للكفر والطغيان!.

وفي سورة الحج وصف دقيق للخلق الذي تم من تراب: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ” الحج (5)، وفي سورة الروم إشارات جليّة للحياة من الموت وإحياء الأرض وإحياء الأرض، وخلق الأنثى من نفس آدم: “يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ* وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ* وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”، الروم (19-21)، وكذا في سورة فاطر: “وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” فاطر (11)، وأيضا في سورة غافر: “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” غافر (67).

وبالنتيجة فإن الإنسان خُلق في تقويم حسن خصوصا حواء ليكون محققا للنسبة الذهبية التي تم اكتشافها حديثا، وهي المعبر أو التجلي لأسرار علم الجمال ويحددها الرقم الذهبي 1.618 وهو رقم بسيط في شكله وللوهلة الأولى يعتبر عاديا لكنه مثير لجدال واسع لأنه أحد المقاييس الجمالية الكونية، من ناحية إراحة العين البشرية، وهو ما تم اكتشاف وجوده بالطبيعة بشكل مدهش، ما يعطي الخلق الإلهي جمالا لا يضاهيه أي جمال، حيث تتحقق النسبة في مجمل المخلوقات “إنسان- حيوان – نبات – جماد” عبر تناسق يدل على وجود خالق عظيم سبحانه وتعالى، خلق كل شيء بقدر وعلى قدر.

أما قيمة النسبة الذهبية فهي تناسـب لأطوال بين قيمتين عدديتين تحققان النسبة المطلوبة، وعبر أن تكون نسبة الطول كاملا للجزء الكبير منه، مثل نسبة الجزء الكبير للصغير، وكمثال فلو كان هناك شيء طولي الشكل وقسمناه إلى جزئين بنسبة 1:2 فستكون نسبة الطول الكلي له إلى الجزء الأكبر منه هي نسبة الجزء الأكبر إلى الجزء الأصغر، وبنسبة ذهبية يعبر عنها رياضيا بالرقم 1.61803399، كما يعبر عنها بالحرف اللاتيني فاي.

وهذه النسبة غير مرتبطة بالخطوط المستقيمة فقط فلها أشكال متعددة لولبية وطولية وعرضية وغيرها، وهو ما اكتشفه أو حدده ليوناردو فيبوناتشي بمتتاليته الشهيرة “متتالية فيبوناتشي Fibonacci number” وفيها تتوالى الأرقام: 0, 1, 1, 2, 3, 5, 8, 13, 21, 34, 55, 89, 144، وعندما يكون كل رقم نتاج مجموع الرقمين سابقيه، وليقترب ناتج قسمة كل رقم بما قبله من الرقم 1.618.

أما ذروة النسبة الذهبية فكانت في جسم الإنسان الذي بني بتقسيماته الأساسية وأبعاده الخارجية على النسبة الذهبية, في توازن يحقق متوالية فيبوناتشي بين كل ابعاد وتقسيمات الجسم البشري، حيث المسافة بين أعلى رأس الإنسان إلى أخمص القدم مقسومة على المسافة من السرة إلى الأرض تعطي النسبة الذهبية, ومن الخصر إلى الأرض مقسوما على الركبة للأرض تحقق النسبة الذهبية, ومن الكتف لأطراف الأصابع مقسومة على المسافة من الكوع لأطراف الأصابع تعطي النسبة الذهبية، وكذا المسافة بين الورك الى الأرض مقسمة على المسافة بين الركبة والأرض، وهو ما ينطبق على مقاسات أجزاء الوجه، وأصابع القدمين واليدين وأقسام هذه الأصابع منتصف الظهر ونسبة الوجه للجسم.. ألخ..

وهناك نسبة ذهبية في جسم الحيوان حيث اكتشف علماء الأحياء خاصية غريبة تتعلق بمجتمعات النحل هي أن عدد الإناث في أي خلية يفوق عدد الذكور بنسبة ثابتة وهذه النسبة هي 1,618، وهي نسبة موجودة في مخلوقات أخرى كثيرة كالفراش والدولفين..

وعودة إلى الشكل فإن القاعدة النظرية الحسية هي المثلثات الذهبية في اقتراب من التساوي المتناسق على قدر 1:618:1 وضمن هذا التقسيم يتم تحديد موضع الجسم المراد تصويره، بحيث يكون العنصر الأهم موجودا تقريبيا في تقاطعات الخطوط ولو في شكل مائل، أو التوائي وبما يقود العين نحو المركز، وحتى بالنسبة لعقيدتنا نحن المسلمين بأن مركز الأرض هو مكة المكرمة فإن علماء يذكرون أنه وبعد قياس المسافة من القطب الشمالي لمكة المكرمة, والمسافة من مكة إلى القطب الجنوبي واخضاعهما للتناسب الطولي، فسنجد أن الناتج هو الرقم الذهبي!.. وهو ما يظهره هذا الفيلم:

http://www.youtube.com/watch?v=9vlcGpiiPHo

وهنا أيضا يشرح لنا باحث فلسطيني النسبة الذهبية بتفصيل أكثر وضوحا:

http://www.youtube.com/watch?v=vVNiSqnzGQ0

حواء أجمل من آدم أم أكمل؟!

وصفة الجمال أقرب إلى حواء من آدم، فهي خلقت كما يبدو كاملة من غير نقص، لكن آدم حصل له نقص أن حواء اقتطعت منه في عملية تخليق كاملة، ففي الآية الكريمة: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا..” النساء (1)، يتضح أن حواء وآدم خلقا من نفس واحدة وبعد اكتمال خلقها تم خلق زوجها (حواء) “منها” وهو ما يفسر شعور آدم بالحاجة للمرأة أكثر لأنها جزء منه فيما هي تملك من عوامل الاستغناء العائدة لـ “عدم النقص” أكثر من الذكر.

وفي رواية أحمد في المسند عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك”، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وصححه الألباني رحمه الله.

وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لما صور الله آدم عليه السلام في الجنة، تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقاً لا يتمالك”.

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً”.

وبعد أن خلق الله هذا الجسد بهذه الصورة، وسواه نفخ فيه الروح كما أخبر الله في كتابه بقوله: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ” الحجر (29).

ومما يقرب الصورة عن خلق حواء قول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: “استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء”، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في قوله: “خلقت من ضلع” قيل: فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر، وقيل: من ضلعه القصير. أخرجه ابن إسحاق وزاد اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم، ومعنى خلقت: أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة.

المهم هنا أن آدم في الوقت السابق لخلق زوجه منه كان وحيدا في جنته ولم يكن فيها من يجالسه ويسري عنه ويسليه، فألقى الله عليه النوم، فخلق الله زوجته من قصيراء شقه الايسر أي اخذ سبحانه ضلعا من أضلاع جنبه الأيسر وهو الأقصر فيها فخلق منه زوجته حواء ووضع مكان الضلع لحما من غير إحساس بألم، لو وجد ألما لما عطف رجل على امرأة قط!..

وقد سميت حواء لانها خلقت من حي، فلما استيقظ آدم من نومه ورآها جالسة بجانبه وأعجبته هيأتها سألها: من أنت؟! فألهمها الله القول: أنا زوجتك حواء لتسكن إلي وأسكن اليك!

وحسب نظريات الجمال فإن حواء أقرب للقاعدة الذهبية من آدم!..

عيوب المضمون!

لكن جمال الشكل (القوام) للإنسان لا ينفي عنه صفات ثبتها القرآن الكريم: “يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا” النساء (28)، وجاء هذا الوصف بعد آية ذكرت فيها الشهوات، والإنسان منكر للجميل!.. أو هو يتناسى بسرعة ما كان فيه من حال عند انقلابه لحال آخر: “وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ” يونس (12) وجاءت هذه الآية بعد آية أخرى عن استعجال الناس للخير، وهو يئوس كفور وفرح فخور!.. يقول تعالى في آيتين متتابعتين: “وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ” هود (9-10)، وليس هذا فقط فهو “ظلوم كفور” أيضا: “وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ” إبراهيم (34)، وهو خصيم مبين! “خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ” النحل (4)، وفي سورة الإسراء تفصيل لخيارات الإنسان في الهدى من الضلال فالأمر عائد للإنسان أن يقرر ما يشاء بعد وصف الخالق له بـ (العجلة) أو الاستعجال مع تذكير الإنسان بأن كل شيء مفصل دون أي لبس: “وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً* وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً* وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا* اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا* مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً” الإسراء (11-15)، ليعاد أمر العجلة: “خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ” الأنبياء (37).

وبعد تذكير الإنسان بما حواه القرآن من الشفاء والرحمة: “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا” الإسراء (82)، يبين الله صفة أخرى بالإنسان: “وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا” الإسراء (83)، وكأن الله هنا يلفت نظرنا كبشر لما بالقرآن من الخير كطريق يحول دون اليأس من رحمته علينا في أي وضع كنا فيه، وفي ذات السورة يشير سبحانه إلى تقتير الإنسان: “قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُورًا” الإسراء (100)، ثم تأتي صفة أخرى للإنسان: “وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا” الكهف (54)، والإنسان متجشم لعناء الأمانة!.. مع أن غيره من بقية الخلق أعرض عنها ليكون ذلك مدعاة لوصمه بالجهل: “إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا” الأحزاب (72)، وتفصل سورة فصلت المزيد من صفات الإنسان ومنها اليأس والقنوط: “لا يَسْأَمُ الإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ* وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ* وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ” فصلت (49-50-51)، لكن الإنسان أميل للكفر!.. يقول تعالى: “وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ” الرخرف (15)، وقتل الإنسان ما أكفره!.. يقول سبحانه: “قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ* مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ* مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ” عبس (17-18-19).

ثم يصف الله الإنسان بالهلع لكنه يعطيه السبيل للنجاة من هذا الهلع كما في الآيات المتوالية من سورة المعارج: “إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلاَّ الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ* وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ* وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ* إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ” المعارج (19-35)، فنفس الإنسان بيده يختار لها ما يشاء من التزكية، والله يقول: “بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ” القيامة (14)، وقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ” الانشقاق (6)، وترد في سورة العاديات صفات أخرى: “إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ* وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ* وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ” العاديات (6-7-8)، وكذلك: “إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ” العصر (2)، وهذا باستثناء: “إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” العصر (3)، وهو ما تشرحه الآيات: “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا” الشمس (7-10).