الكلام والفلسفة طريق الضلال الدائم
يوسف علاونة
••••
كان علم الكلام والفلسفة عبر (المتكلمين) والفلاسفة، أول سبل الضلال بين المسلمين، وكان ذلك تطبيقا فطريا لما قضاه الله من إنزلل رسالة الختام على أمة (بليغة الكلام) ولا تعرف الفلسفة، وكان كتابها نفسه (القرآن) معجزة كلامية!.
وقد دلف مؤامرات الغرب على الإسلام دائما من هذا الطريق وتبع الغرب في هذا العلمانيون وفي هذا الزمن لم يعد هؤلاء العلمانيين قادرين على إنتاج الفلاسفة فصاروا ينتجون (متفلسفين) مفلسين يمضغون مجترين المقولات السابقة دون أي قدرة على الإبداع!.. وإنما استنادا على دس المستشرقين، الذين ركزوا على ثلاث شخصيات إسلامية وكتبوا عنها الكثير من الدراسات، وكان لكل شخصية صورة معينة صورها الغرب متعمدا إخفاء حقيقتها أو جزءً منها:
الأولى: الحلاج صريع العشق الإلهي!.. فصور الغرب هذا: الحسين بن منصور وكل من لقي مصيره بصورة الرجل المؤمن الذي ظلمه طاغوت الفكر الاجتماعي، حتى انتهى به المطاف إلى الصلب لأنه كان سابقا لمستوى زمانه فعجز المجتمع عن تقبله فكانت نهايته هي نهاية المسيح الذي لم يؤمن به أحد حتى سُمرت يديه وسملت عينيه على خشبة الصلب!.. وما ترتب على ذلك من الإيمان به إيمانا جماهيريا اعجز طاغوت السلطة عن السيطرة على عوام الناس حتى كانوا يخرجون في يوم صلبه من كل سنة ينوحون في مقبرة بغداد يرتجون عودته كما ذكر ذلك أبو العلاء المعري في رسالة الغفران.
ولقي نفس المعاملة من الغرب كل من قتل بسبب الزندقة مثل الحلاج كالسهروردي وغيره ممن أعدموا بسبب زندقتهم وكفرهم.
الثانية: الإمام أبو حامد الغزالي
تركزت دراسة شخصيته على جزئية الحيرة التي عاشها متذبذبا بين قصف المنطق ودحض الفلاسفة في كتبه الرائعة العجيبة:
- تهافت الفلاسفة
- معيار المنطق
- القسطاس المستقيم
وهي كتب دك بها عرش الفلسفة وأظهر عوارها، وهاجم الباطنية في كتابه فضائح الباطنية، وثبت بعض أفكار الإعتقاد في كتابة “الإقتصاد في الإعتقاد”، في الفكر الأشعري.
على أن تعمق الإمام الغزالي في هذا لم يزده إلا حيرة وشتاتا!.. فدخل في حالة من الصراع الداخلي انتهى به بمرض نفسي جعله يخرج من المدرسة النظامية التي كان أحد أعمدتها وركنا من أركانها فذهب منقطعا في دمشق على صورة درويش فقير ينظف الزوايا ويخدم في المدارس ليقتات!.
وعاش الغزالي مدة من الزمن مجهولا لا يعرفه أحد كما قال في كتابه “المنقذ من الضلال”، وفي هذه المرحلة تعرف عليه المخاليع الصوفية حيث صنف لهم رسائل كثيرة في التصوف وكان خاتمة التصانيف كتابه الأعظم عندهم “إحياء علوم الدين”، وهو أعظم كتب الصوفية على الإطلاق، علما أن الصوفيين فقراء معدمين في كتب الفقه، ففرحوا به وطار ذكره في الآفاق (إلى الآن)، وهو أول كتاب جمع بين الفقه والسلوك البدعي، فقبل ذاك لا فقهاء في الصوفية ولا علماء وإنما متدروشون وزعماء وأتباع، غير أن الغزالي اكتشف أيضًا أنه على ضلال!.
وللمرة الثانية يغادر مكانه وينتقل من الشام إلى الشرق متجاوزا بغداد ليعود لمسقط رأسه وهناك أدرك أن شفاء مرض الحيرة هو العودة لمعتقد السلف الصالح، وترك علم الكلام وماتفرع عنه من عقائد بعيدة عن منهج الصحابة والتابعين، وهناك وقبل وفاته ألف رسالته العجيبة: ”إلجام العوام عن علم الكلام”، وكانت قبل موته بجمعتين فقط، حيث مات هذا العالم الجليل وعلى وجهه صحيح البخاري فما أجملها من خاتمة.
وقد استهوى جزء الحيرة والتذبب في حياة الغزالي رحمه الله المستشرقين وركزوا عليه وأهملوا مراجعاته وضموا له من عاش في حيرة رغم علمه الجم، كالفخر الرازي وأبي المعالي الجوني.. ونقل عن الفخر الرازي رحمه الله أنه قال: جربت المذاهب الكلامية والمناهج الفلسفية فما وجدتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريق القرآن، وأقرأ في الإثبات “الرحمن على العرش استوى”، و “إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه”، وأقرأ في النفي “ليس كمثله شيء وهو السميع البصير”، “ولايحيطون به علما”، ومن جرب تجربتي عرف معرفتي، وأنشأ يقول هذه الأبيات الخالدة التي أكدت حيرتهم وضياعهم وكيف أن بحثهم وتوغلهم في علم الكلام لم يزدهم إلا جهلا وضلالا باعترافهم:
نهاية إقدام العقول عقال
وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا!.
ومثله أبو المعالي الجويني والذي نهاه أبوه عن علم الكلام بعدما تاب وكان الجويني يسأل بعض العامه قائلا: اتعرف ربك؟ فيقول نعم والحمدلله، فيجيبه آبو المعالي أما انا فلا أعرفه، ثم يبكي!.
وقد نصح رجلا من تلاميذه آخر حياته فقال: عليك بدين الصبيان والعجائز واترك علم الكلام!.. ومثل هذا مر به ابن فورك والباقلاني وابن عساكر وابن ناصر الدين وغيرهم ممن بدأ أشعريا ثم تاب
ولكن المستشرقين ركزوا فقط في الحيرة ولوعتها وألمها، وجعلوا رمزها الإمام الغزالي وكتبه في مرحلته الإنتقالية بين الفقه والتصوف.
وقديما قيل: زلة العالِم، زلة العالَم
ومن ألَّف فقد اُستهدف.
الثالثة: ابن رشد
وهذه شخصية ما زال كل منحرف يبتهج بها ويمر عليها.. الحفيد صاحب أخصر كتاب في الفقة المقارن، فلا تجد طالبا للعلم إلا ويعرف كتابة واسمه “بداية المجتهد ونهاية المقتصد”، وهو حفيد مرجع المالكية في الأندلس، ابن رشد الجد.. ألف كتبه الفاضحة لعلماء الكلام والفلاسفة المسلمين (تعبير خاطئ) والتي صرح فيها بقدم العالم (أي لا خالق له)، وبالتأويل الباطني!.. وهذا الفكر أعجب كثيرا سلاطين دولة الموحدين المجرمين ولكنه أثار الناس ضده حتى خاف والي الأندلس من الفتنة فأظهر منعه من الكتابة مع تأييده له في الباطن.
سار ابن رشد بكل صراحة على أراء زنادقة الفلاسفة ودافع عنها سائرا على آراء أفلاطون وفيثاغورس
ورد على هجمات الإمام الغزالي في كتابه “تهافت التهافت”، غير أنه فضح نفسه وصرح بالعقائد الدهرية ولم يفده تمويهه، ومحاولته المزاوجه بين العقائد الضالة والإسلام، وفضح فكره الباطني في كتابه “فصل الخطاب”، حيث صرح: أن العامة لا يجوز إطلاعهم على باطن التأويل حفظا لدينهم!.. وقسم الناس ثلاثة أقسام كما هي طريقة الباطنية بالضبط
فصار واضحًا جدًا أنه امتداد لنهج الفارابي وابن سينا وغيرهم من اصحاب المعتقدات الدهرية، وإن الرجل ليعجب من عقيدته وإجادته في نفس الوقت للفقه المقارن وتضلعه فيه.
ركز المستشرقون على الأفكار والمعتقدات الدهرية التي تلمح لإنكار الخالق واعتبروه نموذجًا متميزًا في الفكر الفلسفي الإسلامي!.. ولا ندري أين الإسلام أو ما دخله في الموضوع!.
هذه ثلاثة نماذج فلسفية جعلها الغرب صورة للإسلام وحجبوا ما عداها دسا وتدليسا
وصنف كثير من القساوسة بل وبعض الباطنية والرافضة كتبًا في هؤلاء.. ألا ترى للخميني حاشية على فصوص الحكم!؟.. وترى عناية الآغا خان (المفوض السابق لشؤن اللاجئين في الأمم المتحدة) بكتب الحلاج والسهروردي وبما لفقه الصوفية عن عبدالقادر الجيلاني ويروجون له كثيرا، وكل هذا ليطمسوا الدين، والاتحاد الاوروبي من بداية نشأته أكثر ما يدعم الجماعات الصوفية والرافضة والباطنية، ويستضيفهم ولا يعاقبهم مهما فعلوا كالشيرازي ياسر الخبيث التفيه.
=====
ملاحظة:
تعمدت في حديثي وصف الصوفية بالصفوية بالتركية لأن صفي الدين وابنه إسماعيل كانا أتراكا صوفية ويزعمون الإنتساب للأذريين
وقبلهم مثلهم البويهيين كانوا تركمان وأجدادهم مجوس والترك في الأصل كانوا مجوسا.