درجات الحب عند العرب!

مقالات

درجات الحب عند العرب!

يوسف علاونة

للحب كما سواه أسماء كثيرة عند العرب فالمحبة أصلها الصفاء فنقول للأسنان الجميلة (حبب) الأسنان، وقيل حب من الحب لب الشيء وأصل وجوده، ويقال مال للشيء أحبه وهذه للهيام.

وسمت العرب الحب علاقة لأن العلق يلتصق فلا يغادر حتى يموت وعلقت بهواها أحببتها فعلقت بها كالعلق.

والحب (هوى) عندما تميل النفس من هوى يهوي فيقع في الغرام وهو الصبا..ومبالغته الصبابة وصفته التصابي كأنه صبي من كثرة هيامه وقيل لأن الحب للصبية الجميلة فيكون الرجل صبا إليها بحبه.

ويلي الصبابة الشغف وهو غلاف القلب وقد وردت في القرآن (شغفها حبا) وبعد الشغف تأتي المقة من ومق يمق ثم الوجد تقول أم كلثوم (ونار الوجد في ضلوعي)، والوجد دليل الحزن لأن الحبيب يجد وراء حبيبه ويطلبه لحد أن منظره يصير محزنا.

وبعد الوجد يكون الكلف وهو الولع من شدة الكلفة التي هي بين السواد والحمرة وفي هذا يرد قول لشاعر: (فتعلمي أن قد كلفت بكم….ثم اصنعي ما شئت عن علم).

وبعد الكلف يكون التتيم، وهو نوع من التعبد والعبودية فقالت العرب فلانا تيم الله أي عبده، وبعد التتيم يكون العشق وهذا أكثر اسم داخت ومالت إليه رؤوس العرب.

ويقال عشق الشيء آخر فدخل في رائحته وصفاته، وهكذا يعشق الحبيب محبه حتى ليكاد أن يذوب فيه..وقيل في المعاجم إن العشق نبات لزج فيلتصق بمن يصادفه أو يحمله وهكذا المحب مع معشوقه

وقد قال المتنبي بالعشق بيتا رائعا:

وعذلت أهل العشق حتى ذقته

فعجبت كيف يموت من لا يعشق

وبعد العشق يكون الجوى وهو حرقة شديدة من الحزن والتألم لفراق الحبيب، يليه (الدنف) وهو مرض يصيب البدن فيهزله، ثم يأتي الشجو بالحبيب، شجى يشجو شجوا، شجاه أي أحبه حتى ملأه الحزن لحد الغضب من الفراق، وبعد الشجو يكون (الشوق) فيكون القلب من شوقه مسافرا إلى المحبوب، باعتبار الشوق نراعا في النفس عند هياج الشوق.

وبعد الشوق يبلغ حال المحب مرتبة متعبة فيكون (الخلب) أي أن الرجل أو المرأة من فرط حبها خلب ذهنها فأصبحت تعيش بالجسد في مكان وقلبها مع الحبيب، والخلب عند العرب من الخديعة وهي أعلى درجات التوهم.

ثم يقال بأن المحب بلغ البلبلة، وهي الوساوس، من كثرة عشقه تبلبل حاله وسكنه الوسواس، تليها تباريح الهوى من برح وهو ريح شديد فيقال تباريح الشوق تعصف بصاحبها.

وبعد التباريح يكون السدم، وهو حال يتبعه حزن وندم، ثم (الغمر)..غمرني الشوق هياما إلى الحبيب من الغمر أي امتلأ بالشيء ويقال أيضا إن الغمرات جمع غمرة، والغمرة ما يغمر القلب من حب أو سكر أو غفلة..ويقال غمر الماء الأرض أي ملأها بالماء.

بعد الغمر يكون الوهل ومعناها الحال المفزع كأنه التوحش، وهل واهل فهو مستوهل من شدة الحب، وبعده يكون (الشجن)، وللنفس شجونها مثل شؤونها لكنها تستعمل للخيال الداخلي والتعبير، ثم يكون (اللعج) لعج يلعج لواعج وهو وصف لمن يتعرض لضرب شديد يدمي جلده فيكون شبه محمر أو أكثر، ليبلغ المحب بعدها درجة (الكئب) فهو كئيب معذب من غياب حبيبه، ثم يكون (وصب) فيقال وصب الرجل فهو موصب كثير الألم، وبعده من أوصاف الحب (الحزن) فيبلغ المحب مرتبة الحزن على من يفقد وهو مشتاق إلى الحبيب، وقيل إن فلانا محزون على فراق حبيبته، ثم تأتي مرحلة (الكمـد) وهو حزن مخبأ مكتوم فيقال أحبها حتى كمد حبه في قلبه فلم ينطق فيه لسانه، فيكون بعد الكمد (اللذع) من لذع، وهو لذع النار تصيب من يقترب منها، فإذا ازداد اللذع تأتي بعده (الحرقة) وهو حب أشد إيجاعا كأن الحبيب انسلخ جلده فيتلوى من حرق نار قلبه، يلي ذلك (السهد) من سهد وهو الأرق وقلة النوم، ليلي السهد الأرق نفسه من (أرق) أي سهر الليالي غير قادر أبدا على النوم إلا عندما ينهار جسده فينام غير مدرك، يلي ذلك (اللهف) من لهف أي اشتاق للشيء حتى بلغت أمنيته اللهفة الشديدة كأنه يتحسر لفقده وعدم نواله،فيكون بعد ذلك (الحنين) من حن للشيء، تاق إليه كثيرا وهي من الرحمة، فيقال تحنن فلان أي طلب الرحمة ممن يحب، بعدها يصير المحب مستكينا وهي الخضوع سكن ساكن فهو خاشع لا يتحرك تليها التبالة من (تبل) أي الفناء فيقال تبلهم الزمان أي أفناهم، فالمحب هنا فني وصار كالعدم من الحب، يلي ذلك (اللوع) من لوع وهو مستوى من الاحتراق بالنار، بعد ذلك الفتون من فتن وهي خوض الامتحان، وهي فضة محرقة بعد تسخينها على النار، وبعد الفتنة (الجنون) وهو على عدة معاني من جن الليل أي غابت أشياؤه في الظلام فلا ترى، والجنين في بطن أمه، ومن شدة الحب يجن الرجل فيصبح عقله مستورا مخفيا،وبعد الجنون يكون (اللمـم)، وهي من لمّ..ويقال أصابه ألم أي نزل به الألم، بعد ذلك (الخبل) ومعناها الفساد وجمعها خبول، أي فسد جسمه من كثرة هيام قلبه، بعدها الرس في الحب، كأنه أصيب بالحمى، بعد ذلك يكون (الــود)!..فهو خالص خلاصة الحب وهو أرق الحب وألطفه، ثم يكون (الخله) أي أن الحبيب (خليل) حبيبه، بعدها (الخلم) فمن كثرة حب الحبيب يصير محبوبه كصاحبه لا يفارقه إلى لنوم، فنأتي على (الغرام) من غرم بالشيء اي لازمه فهو لا يفارقه، وقيل غرم كأنه غرم له أي مدين إليه، وبعد الغرام يكون (الهيام) من هام، يهيم على وجهه، وقيلت قديما بالإبل العطشى تهيم على وجهها تنشد الماء..فإذا هام المحب بحبيبه بحث عنه كل وقت ليرتوي من وصله.

@yousef_alwnah