شروق الشمس.. وقسم الله سبحانه وتعالى بالليل!

مقالات

22 مارس 2016 كتاب الرأي العام

 

يوسف علاونة:

‏يقسم الله سبحانه وتعالى بما يشاء وليس متاحا لك أن تقسم بغير الله!

‏والله يقسم تعظيما لشيء مثل «هذا البلد»، فعندما يختص بلد النبي بالقسم فإنه يميزه على غيره من البلدان، أو يقسم «وطور سينين»، فيكون مكانا ذا شأن، كون الله تجلى فيه فندما تكلم مع موسى الكليم صلى الله عليه وسلم، فمن شدة الخشية لما رأى الجبل الله انخسف في الأرض، أو يقسم سبحانه تأكيدا لأهمية شيء مثل «والتين» «والزيتون»، فيبحث البشر في خصائص الثمرتين والشجرتين، أو يقسم لخلق عظيم له: مثل «بمواقع النجوم» وهنا «مثلا» يشرح عظمة قسمه «وإنه لقسم لو تعلمون عظيم»، أو «والليل».

‏والله جل شأنه أكثر ما أقسم بالليل فقال: «والليل إذا أدبر» المدثر 33 «والليل وما وسق» الانشقاق 17، «والليل إذا عسعس» التكوير 17، «والليل إذا يسر» الفجر 4، «والليل إذا يغشاها» الشمس 4، «والليل إذا يغشى» الليل 1، – ولاحظ أن هناك سورة لليل بينما لا توجد سورة للنهار، علما أن أسماء السور منزلة من السماء عند جمهور العلماء أي «توقيفية» – «والليل إذا سجى» الضحى 2، فأكثر ما أقسم الله بالليل ولم يقسم بها مجردا وإنما أقسم بـ «حالات» الليل وأوضاعه ولا شك بأن لذلك سبب عظيم وراء هذا.

‏والله أقسم بالنهار ولكن أقل من قسمه بالليل، وجل شأنه يقسم بما يشاء فهذا خلقه الذي خلق، ولكن المخلوق لا يمكنه أن يقسم بغير خالقه وإلا فهو يشرك به.

‏ولكن نلاحظ أن القسم بالليل مطلق ممتد دونما قيود، لكن القسم بالنهار مرتبط أولا بالليل، أو قرين به، ومرتبط أيضا بالأرض وبما سخر الله من رزق وعيش، فقال: “تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ” آل عمران 27، وقال: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ” آل عمران 190، ويدخل سبحانه خلق الليل والنهار في معجزات خلقه فيقول: “إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” الأعراف 54.

‏وهناك إعجاز في الأمر فالناس قادرة على تخليق النهار «الضوء» لكن أحدا لا يمكنه أن يصنع الليل!.. وهذه مفارقة مع أنه ثبت علميا أن الليل مادة!.. والليل ’ية والنهار آية، وحلول النهار يعني الإبصار: “وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً” الإسراء 12، وهكذا تكون الحركة تبادلية بين الليل والنهار: “ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ” الحج 61، فما يتم هو «تقليب» للحالين: “يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الأَبْصَارِ” النور 44.

‏والله أقسم بالنهار مرتين فقط فقال: «والنهار إذا جلّاها» الشمس 3، «والنهار إذا تجلّى» الليل 2، وبالحساب العلمي فإن النهار لا شيء بجانب الليل، فالثابت الآن أن الكون الهائل والممتد والذي نعرف منه جانبا يتكون من نحو 300 ألف مليون مجرة – كمجرتنا درب التبانة – يغلفه الظلام دامس والليل العظيم، بينما النهار المعروف للبشر هو جزء من الغلاف الجوي للأرض تنفرد به «من أجل الحياة» على غيرها من الكواكب وسمكه 200 كيلو متر فقط!

‏إن حزمة من النور هي ما يجعل الشمس تظهر بصورتها التي نعرفها، بينما هي تبدو كنجم غير مشع في القمر القريب والتابع لنا بل تظهر هناك محاطة بالظلام!

‏يقول تعالى: “والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلّاها” الشمس 1-3، وجلّاها من «الجلي» لغرض الإظهار والإبراز فنقول جلا الشيء أي نظفه حتى لمع، فهذه الطبقة الرقيقة من الغلاف الجوي تنير الأرض بنور الشمس، وهي من تزول عند زوال السماوات يوم القيامة وتنتهي حركة «الجريان» لغياب كل شيء: “وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ” الزمر 67، فيحل الظلام لتشرق الأرض فقط بنور ربها سيحانه وتعالى: “وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ” الزمر 69، إذ أن هذا الشروق يكون قد سبقه النفخ في الصور وقيام القيامة: “وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ” الزمر 68.

‏وقد اكتشف علماء الفيزياء أن لليل وزنا وكثافة، فكثافة الليل تبلغ «مللغرام لكل سنتمتر مكعب واحد»!.. وهكذا فأنت عندما تسير في الليل فإنك تصطدم بمادة الليل!.. وربما يكون الليل مع قوة الجاذبية هو الأعمدة الممتدة التي ترفع السماوات لقوله: “خلق السماوات بغير عمد ترونها” لقمان 10 و”الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها” الرعد 2، لأن الليل يلف كل شيء في هذا الكون المتسع والخارق للخيال.

هكذا فإن طبقة النهار هي ما توضح لنا الشمس لأن الشمس من خارج الأرض تبدو نقطة ضوء محاطة بعالم سحيق من الظلام، وكما قلت فمن سطح القمر تبدو الشمس نصف مظلمة ونصف مشرقة والسبب أن القمر لا تحوطه طبقة نهار كالتي للأرض، ولذلك لا تشرق الشمس على سطح القمر وبقية الكواكب، كما تشرق على الأرض لأن ذرات الغلاف الجوي هي التي تعكس أشعة الشمس فنراها كما نراها.
‏الجريان الشرقي للشمس
‏أما في مسألة «شروق» أو جريان الشمس فمن المهم أن نفهم أن القرآن ليس كتاب علوم أو فيزياء أو رياضيات، وليس هذا دور كتاب أراده الله نورا وهدى ورحمة للناس وتبيانا لكل شيء، لكن القرآن أيضا لم يتعارض طوال تاريخه مع أي حقيقة علمية يقررها العلماء أو تتوصل لها البشرية.
‏والقرآن يقول بأن الشمس تجري، ولم يقل بأن الشمس تأتي وتعود، والثابت أن المجموعة الشمسية المرتبطة بحركة الشمس تجري مثلها وبالتتابع المنتظم في مسار عجيب، يقول عنه سبحانه وتعالى: “وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ” يس 38.
‏والعرب لماذا قالت «الشرق» و «الغرب»؟.. لأن هذا هو موقع الأرض بالنسبة لحركة الشمس، فالشروق عند العرب بداية والغروب يليه وهو النهاية وهذا يطابق القرآن، فهناك مشرق ومغرب لقوله تعالى: “وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” البقرة 115، والله «يأتي» بالشمس: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ «فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ» فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” البقرة 258، ويقول: “رب المشرقين ورب المغربين” الرحمن 17، ويقول: “رب المشرق والمغرب لا اله الا هو فاتخذه وكيلا” المزمل 9.
‏والمسار الذي يتخذ الكون في اتساعه يأتي دائما بحركة اتفق على أنها شرقية وهي تدور «إهليليجيا» بنفس حركة عكس عقارب الساعة، ومن المفارقات القول بأن الساعة هي الشيء الوحيد الذي يدور عكس الكون، ابتداء من حركة الدماء بالجسم، ومكونات الذرة «جزئيئات الذرة»، والطواف حول الكعبة، وحركة انتظام الجينات الوراثية والحيوان المنوي في حركته الإهليليجية قبل الارتطام بالبويضة، وحتى حركة الكواكب والمجرات، فضلا عن حركة الشمس مع منظومتها الخاصة أو مجموعتها.