عندما يتمرد نتوء جغرافي على المركز.. قطروالسعودية
يوسف علاونة:
بقلم : يوسف علاونه جملة اعتراضية قلتها عندولة قطر هي (نتوء جغرافي) تثير حفيظةبعض القطريين فصارت العنوان لهجماتمرتزقة المعرفات القطرية ضدي.. بينما لاوجود لأي عيب في العبارة فالنتوء كلمة عربيةفصحى تدل على شيء زائد خارج من شيءأساسي أكبر منه حجما وهذا هو وضع قطر معجزيرة العرب.
في قاموس المعاني: نُتُوء: اسم، ونُتُوء: مصدرنتَأَ، والجمع نتوءات، والنُّتُوءُ شيءٌ بارزٌ مرتفعبوضوح عما حوله، ونتوء فُطري: زائدة لحميةرخوة تنمو على الجلد وعلى غشاء مخاطي،ونتَأ الشّيء: برز في مكانه من غير أن ينفصلعن محيطه، ونَتَأت القَرْحَةُ: تورّمَتْ، نَتَأتالثَّدْيُ: نَهَدَ، نَتَأَتِ الفَتَاةُ: بَلَغَتْ، نَتَأَ عَلَى الْقَوْمِ:طَلَعَ عَلَيْهِمْ أي تمرد عليهم.
والخارطة توضح كيف أن شبه جزيرة قطر هينتوء جغرافي صادر من جزيرة العرب فلو جرىقصها فلن يتأثر الجزء الكبير المنتوء منه.
هنا نأتي إلى الحجم لجهة الدور فهل الحجم لهتأثير أو علاقة على الدول في التاريخالبشري؟..
في الحقيقة أن الحجم والمساحة وعدد السكانلا أثر له لجهة أن الدولة (أي دولة) تمارسدورها بمقدار حجمها السكاني ومساحتهاالجغرافية وإن كان لم يُعرف في التاريخامبراطوريات صغيرة الحجم والعدد.. فإسرائيلكانت مليوني نسمة وهزمت 100 مليون عربيومساحتها 23000 كم مربع ومساحة الدولالعربية 11 مليون كم مربع!.
وسيطرت بريطانيا على ثلثي العالم بستة ملاييننسمة وهي جزيرة نائية في أقصى الشمال وقبلنهاية المحيط الأطلسي والأمثلة كثيرةفسنغافورة التي هي مجرد صخرة في طرفالجغرافية الماليزية اقتصادها ضعف الاقتصادالإيراني وهونغ كونغ يفوق اقتصادها اقتصادالمغرب والجزائر والناتج القومي الإجماليلتايوان ضعف ونصف الناتج الإجمالي التركي.
الآن دولة قطر.. هل هي مؤهلة لخوض غمارمنازلة تاريخية تفوز فيها كـ (نتوء) على الجزء(المنتوء منه) فترسم مستقبله وتضمه أو تحددمصيره؟.. هل تستطيع قطر معاندة محيطهاالجغرافي لتغلبه فتفرض رؤاها وطريقتها عليهوتخضعه وتهزمه فيستسلم لها طائعا مختارادون مشاغبة؟..
علينا أولا أن ننظر إلى المشهد الكلي الذيتنطلق من جنباته قطر لتمارس رؤيتهاالخاصة.. إنه حال مواجهة شاملة ضد إيرانوضد قلب النظم العربية.
وقد نجم الوضع الحالي عن نتائج ما يسمىالربيع العربي –بغض النظر إن كان مؤامرةمحبوكة أو تطورا طبيعيا للجمود والخذلانالسائد – واتضح الآن تماما أن الأنظمة العربيةالتقليدية المحافظة هي التي صمدت وانتصرتعلى (قوى التغيير) التي تتصدرها جماعةالإخوان المسلمين وتدعمها وتحتضنها دولةقطر، وذلك بعد أن ظهر بكل جلاء عامي 2011و 2012 أن المستقبل لجماعة الإخوان وأنالاحتمال الأقرب هو سقوط غالبية الدول العربيةفي قبضتها.
وألهب الحماس لصالح هذا المصير المتوقع أنالجماعة سيطرت على أكبر دولة عربية (مصر)وأنها استنادا إلى ذلك وبالقبول الأميركيستكون صاحبة القرار الأول في رسم مستقبلالمنطقة على أنقاض الزعامات العسكريةوالملكيات الوراثية التي قادت دولها في مرحلةالاستقلال الوطني السابقة.
وخلال هذين العامين وما بعدهما كانت قطر عبرقناة الجزيرة تمسك بعصا الساحر الذي يؤشرعلى مسارات الاحتجاج والتغيير في البلادالرازحة تحت سوط (الثورة) وكان سمو أميردولة قطر (الشيخ حمد بن خليفة) رمز هذهالثورة وأصبح من الناحية المعنوية (أميرمؤمنين الأمة) المنتفضة بشعار (الشعب يريدإسقاط النظام)!.
لكن حساب البيدر لم يطابق حساب الحقل!
وثبت أن الإخوان خائبون غير قادرين لا علىاستلاب السلطة، ولا على ممارستها، وهكذا لميعد أمير المؤمنين القطري بنفس قوته التيبدت للوهلة الأولى، وعوضا عن اتساعالامبراطورية التي حلم بها الإخوان تحتسيادته الرمزية، وصار الأمير القطري الآنيجلس في مجلسه مع مجموعة المريدينليتحسروا على الأمجاد الضائعة ويحلموابنهضة أخرى للربيع العربي والتغيير يقودهاعزمي بشارة وفيصل القاسم وغادة عويسوجمال ريان ووضاخ خنفر وياسر أبو هلالةوإحسان الفقيه وقناة مكملين!.
في هذه الأثناء نشأ (قسرا) وضع آخر مختلفكليا لكنه متقاطع ووثيق الصلة ألا وهو مواجهةالمشروع الإيراني الذي حظي بتسميات كثيرةلعل أهمها (الهلال الشيعي) بقيادة إيران الوليالفقيه الذي ينوب عن (إمام) أو (مهدي) يؤمنبه الشيعة وهدفه الأول عند خروجه من سردابهالمزمن أن يحتل مكة المكرمة بعد أن يجعلالدماء فيها إلى الركب (توجد تصريحات رسميةإيرانية بهذا المعنى)، ما يتطلب سيطرة إيرانعلى المنطقة العربية والعالم الإسلامي فرأيناإيران منذ 2004 عبر تواطؤ أميركي صارختقدم العراق المحتل لسيطرة وإدارة مجموعةسياسية تابعة لإيران بالمطلق وتؤمن بأهدافها.
وقبل حلول مواعيد (الربيع العربي) وفي غمرةالانشغال الداخلي العربي المنكفئ والعاجز عننيل الحظوة الأميركية السابقة رأينا إيران تتمددأكثر فتحشر أنفها في الصراع العربيالإسرائيلي مستغلة التنازلات والمسايراتالأميركية بسبب مفاوضات الملف النوويالشاقة والطويلة والمتعثرة ثم تتقدم أكثر عبرسيطرتها على النظام الطائفي في سورية ثمتحاول قضم البحرين، ثم تمد يدها إلى اليمنوتمارس أعتى أنواع التدخل بالدول العربية.
أحدث هذا الوضع ارتباكا في الحركة القطريةلتنتقل من مسايرة إيران والتعاون معها ورعاية(حزب الله) اللبناني وإعادة بناء الضاحيةالجنوبية إلى الصدام مع إيران التي بوغتتبالموقف القطري بعد أن كانت اطمأنت إلى أنقطر أقامت معها تعاونا أمنيا وفي مجال حقلالغاز المشترك وأمور شتى.
هنا تدخلت الماكنة الإخوانية التي حافظت علىصلات استراتيجية مع إيران وأعادت الرعبإلى عقل القيادة القطرية من عملية النهوضالسعودية التي قادها الملك سلمان والتي تعنيأن لا أحد سيستطيع الوقوف بوجه السعودية إذاتمكنت من دحر مشروع إيران وهزيمته وطردهمن البلاد التي تمدد فيها.
وزاد من الرعب الإيراني التركي الإخواني منالحالة السعودية أنها تمكنت عبر ولي العهدالسعودي محمد بن سلمان من استعادة التحالفالاستراتيجي مع الولايات المتحدة عبر الإدارةالجمهورية الجديدة وبعد سنوات عجاف معالدي