فرصة السلام للعراق الشقيق عبر مقتدى الصدر

تقارير

بقلم : يوسف علاونة

‏خلق الله للإنسان عقلا يتدبر ويتفكر به، وأوكلنفسه إليه فهو يزكيها أو يدسيها لينعكس هذاعلى سلوكه العام، وكذلك “خلق الإنسان هلوعاإذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلاالمصلين”.

فالقاعدة هي الهلع والجزع والمنع، ودواؤهاجميعا الصلاة، أما إيكال النفس لصاحبها فأمرعظيم إذ يقول سبحانه وتعالى مقسما على ذلك: “ونفس وما سوّاها، فألهمها فجورها وتقواها،قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دسّاها” فهوامتحان يتطلب صبرا عظيما.

وهنا في آيات الحالتين (الهلع والجزع والمنع)و (التزكية والدسدسة) فإن الجوهر هوالخصوصية المتعلقة بالإنسان لوحده منفردافيكون طيبا أو خبيثا، وهكذا لا يغني أحد عنأحد شيئا وكما قال الرسول صلى الله عليهوسلم: (يا فاطمة اعملي فإني لا أغني عنك منالله شيئا) فليس ينفعك مرجع ولا إمام.

القاعدة هي أن المؤمن يؤمن لنفسه وبنفسه لاشأن له بسواه، فلا دالّ له ولا موجه غير عقلهوقلبه، ولهذا كان أبناء وآباء رسل كفارا أومشركين!

وهذا هو جوهر الإيمان الذي استهل به اللهتبارك وتعالى كتابه الكريم بعد سورة الفاتحةمباشرة، وفي استهلال سورة البقرة فقال جلشأنه: “الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىللمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاةومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزلإليك وما أنزل من من قبلك وبالآخرة هميوقنون، أولئك على هدى من ربهم وأولئك همالمفلحون”.

فليس الأمر في حاجة ل (عراب) أو (إمام) أو(مرجع) أو أي أحد البتة.

وخشية الله معيار، ومن زاد بالله علمه زاد منالله خوفه: “إنما يخشى الله من عباده العلماء”.

‏وكما قال الفضيل: (أعلم الناس بالله أخوفهممنه).

والتدبر متاح لكل أحد ليقنت آناء الليل ويسجدويحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه في قولهتعالى: “أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائمايحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستويالذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولواالألباب”.

فالذين يعلمون أكثر (الفقهاء والعلماء)يوضحون ويبينون الفهم الصحيح للدين إذاالتبس على العوام شيء لكن الأصل أن كل أحدمسؤول عن دينه فردا.

والذي يُحاسَب هو أنت وحدك، والسيئاتوالحسنات لك وحدك والسيئات، فلا أحد يغنيعن أحد، ولا تزر وازرة وزر أخرى، بل حسابإفرادي بالمطلق.

هذه القاعدة كانت الأكثر غيابا عن الفرسالمجوس وهي التي استندت إليها كافة مخرجاتالدين الصفوي في جعل الناس أتباعا عميا صمالا يفقهون.

كانت قاعدة تغييب العقل والتدبر للأتباع هيالسائدة في أواخر عهود الامبراطوريةالساسانية وهي ما ورثه الصفويون في نسخة(التشيع) التي سادتهم، واستقروا عليها.

كان الكهنة يعاملون كسرى باعتباره إلها لا يُردولا يُصد، وكانوا يأخذون من الناس (العشر)،وكان الدين طقسا خاصا لا شأن بالعوام به علىالإطلاق.

وكان الناس منقسمين في المملكة إلى طبقاتشتى، وكان هناك صيغ من الممارساتالمتوحشة التي جرى إلباسها ثياب الفخامةوالأبهة على دونيتها مثل زواج المحارم الذيحظره أمير المؤمنين عمر رضي الله عنهوأرضاه فمنعهم عنه قسرا حتى وهم ما زالواعلى دينهم في ظل ولاية المسلمين عليهمفأنتجوا مسلكا انتقاميا عبر ما أسموه (زواجالمتعة) وهو ما يندرج على مسألة (العشر)الذي صار (خمسا) وكذا قاعدة (التقليد) لمايسمى المرجع، لنصل إلى ذروة معاندة (الدينالعربي) – حسب فهم هؤلاء العنصري – عبرجعل (الإمام) في مكان (كسرى) ثم تغييب الإمامباعتبار كسرى غير موجود!

لقد أنتج هذا عكس ما بدأنا به، حيث نرىالتبعية الكاملة المطلقة لـ (العوام) لمن يقودهمدونما أي جنوح نحو الفطرة المتدبرة والمتعقلةفنرى طاعة عمياء لما يسمى المرجع حتى فيأبسط الأمور ألا وهي رؤية هلال رمضان الذييكون متوهجا في السماء بينما المرجع لم يرهويعترف بوجوده!

إن هذا لجزء يسير مما تقوم عليه حكاية(المرجعية) من ضرورة اتباع الناس لها دونمانقاش، وهذا يفسر اعتماد الأتباع على سواهمفي تفسير كل شيء مع وجود مصدر دخل دائميعزز من الحالة الطبقية التي توفر بقاء وصلابةالمنظمة الحاكمة لهؤلاء إلى ما لا نهاية اعتماداعلى تفسير جامد لآية في سورة تتعلق بالحربوأحكام الحرب (الأنفال) مما لا شأن فيه لما هوناجم عن زراعة أو صناعة أو تجارة أو ادخارأو عمران.. الخ.

لقد أسفر هذا عما نراه من (ولاية الفقيه) فيإيران حيث جرى إبطال القيم الأساسية التي قامعليها (التشيع) في (عصر غيبة الإمام) عبرحلول (إمام) محل الإمام الغائب تحت مسمى(نائب الإمام الغائب)، منحه الدستور (عملانيا)نفس (عصمة) الإمام وحصنه من المساءلةوجعل كلمته لا ترد.

وهكذا صارت إيران بإمامها مهوى نفوس شيعةالعالم الذين يذوقون الأمرين حيثما وجدوا جراءهذه التبعية المتوهمة التي لم تجلب لهم فيبلادهم غير النبذ والقتل والدمار، والفقروالبؤس الشديد، وواقعا مشهودا من عدمالسيادة وعدم الاستقرار والتبعية المقيتة التي لاينجم عنها أي خير

‏من هنا نحن ننظر بتقدير إلى محاولة السيدمقتدى الصدر وهو أهل لها للنجاة ببلده العراقمستندا إلى مكانة شعبية كاسحة لإيجاد قرارعراقي مستقل ينهي حال التبعية للولي الفقيهالإيراني ويوجد نوعا من التوازن بين طبيعةالعراق العربية ووجود مكونه الشيعي العربيأصلا بعيدا عن هيمنة إيران، فالعراق لم يحصدمن العلاقة التابعة لإيران غير ما نراه مما لايحتاج إلى دليل وتدليل، وهؤلاء الذين جاؤوامن إيران ويتمسكون بخياراتها لم يقدموا حلالأي من المشكلات القائمة.

إن السيد مقتدى عائد إلى بلده بوعود خير كثيرةمن المملكة العربية السعودية، ويكفيه ما سمعهمن الوزير المختص بالشؤون العراقية السيدثامر السبهان عندما قال له: نحن أهلكم فيالسعودية أيا كان مذهبكم وانتماؤكم.. أما مااستمع إليه السيد الصدر من نائب خادمالحرمين الشريفين سمو الأمير محمد بن سلمانفيثلج الصدر فعلا إذ قال له: العراق منا ونحنمن العراق ومهما حصل فنحن باقون أهل يشدبعضنا أزر بعض وتجمعنا مصالح السلم والأمنوالازدهار.

‏نعم.. لقد آن أوان استقرار العراق وازدهاره.