*****
يوسف علاونة:
كانت فلسطين وستبقى رمزا وعنوانا عريضا لعاطفة عربية إسلامية جياشة، ترى في فلسطين قضيتها الأولى حتى وإن لم تكن!.
وبالمقابل كانت فلسطين وستبقى رمزا وعنوانا للمزايدات العربية – العربية، حولها يتحاجج المتخاصمون
وعنها يتم تبادل الاتهامات، بينما الجميع عاجز عن فعل شيء حقيقي من أجلها على الأرض، ذلك أن الفهم الصحيح لهذه القضية لم يتشكل، ولم تفتح له فرصة، بسبب المزايدات، وبسبب المنحى العاطفي الذي تأخذه هذه القضية لدى كل فلسطيني وعربي ومسلم.
فقضية فلسطين هي أولا قضية شعبها، فهو المعني بالنصر، وبهزيمة المشروع الصهيوني، واستعادة الحق الشرعي على الأرض والإنسان.
وأبسط الأدلة على هذا أن نكبة فلسطين وقعت في فلسطين!.. وأن فلسطين ضاعت لما هاجر منها معظم شعبها!.. وأن إسرائيل في (فلسطين) انتصرت بقدوم المهاجرين إليها!.
وأبسط الأدلة على هذا أن التدخلات العربية منذ عام 1948 بل وقبل ذلك لم تسفر عن أي شيء لصالح فلسطين!.
بالعكس!.
فالجيوش العربية دائما انهزمت، وعجزت عن تحرير متر واحد من فلسطين باستثناء ما حصل كحد أدنى يسر الله القدرة عليه، وهو الاحتفاظ بخمس فلسطين فقط في حرب (النكبة) عام 1948!.
لقد أحرز الشعب الفلسطيني بجهاده وصموده على أرضه أهم منجز في تاريخه وهو الاعتراف بهويته الوطنية وحقه بقيام دولته الخاصة – بغض النظر إن كانت مكتملة أو ناقصة السيادة – وهكذا وابتداء من اتفاقية أوسلو فقد عادت القضية إلى أرضها وشعبها من الشتات والمنفى، وصارت الحركة الفلسطينية
على أرضها شوكة في حلق المشروع اليهودي فلا هو قادر على ابتلاعها، ولا على لفظها وتقطيعها.
القضية إذن في فلسطين ومع شعب فلسطين تماما كما هي قضية كل شعب.. في العراق.. في سورية.. في اليمن.. في بورنيو.. في قطر.. وفي السعودية وغير السعودية!.
لا يمكن للمغاربة أن يقولوا للعرب تعالوا
وأعينونا على (قضيتكم الأولى) بتوحيد المغرب بهزيمة (بوليساريو) فهذه قضية شعب المغرب وهو كفء لها.
لا يمكن للجزائر أن تقول لنا تعالوا فأنا أكبر بلد في أفريقية وليس لي إطلالة على المحيط الأطلسي، فتعالوا وأعينوني كي يحدث هذا رغم أنف المغاربة، فالجزائر قضيتكم الأولى!.
لا يمكن للأمة أن تكذب فتقول للأحوازيين استريحوا.. نحن سنحارب إيران ثم نحرر الأحواز لكم لأن الأحواز قضيتنا الأولى وليست قضيتكم لوحدكم!.
ونفس الأمر مع مسلمي بورما ومسلمي الصين ومسامي بورنيو الشرقية وووو الخ من القضايا التي ابتلي بها العرب والمسلمون جراء هوانهم بفضل (خلافة) الترك العثمنلية.
ضمن هذا السياق البسيط من فهم خاطئ لقضية فلسطين أنشبت الصراعات العربية كراهية مقيتة بين الفلسطينيين ومعظم الشعوب العرببة بفضل هجمات المنظمات الفلسطينية – اليسارية والإسلامية – (المقاول الحصري) لقضية فلسطين، أو الأحزاب العربية المزايدة والمتاجرة بقضية فلسطين، على الأنظمة العربية بتهمة (التقصير) أو (العجز) أو (الخيانة) أو (بيع) فلسطين!.
وتهمة البيع هذه كانت حصريا للسعودية وزعمائها، وهذا مدهش جدا فمن يبيع فلسطين إذا كانت الأوطان تباع وتشترى ينبغي وأوجب أن يكون مفلسا وليس غنيا كالسعودية وحكامها!.
والأعجب هو أن جميع حكام السعودية باعوا فلسطين!.. وأول البائعين كان عبدالعزيز الملك المؤسس، وفي زمن عبدالناصر باعها سعود وفيصل، وزمن حزب البعث بشقيه باع فلسطين خالد وفهد.. وفي زمن إيران وبهائمها من الإخونجية باعها عبدالله والملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان!.
بطبيعة الحال فمن الضروري أن يكون هناك من يعاون آل سعود على صفقات البيع هذه التي لا تتوقف!.
ففي زمن عاونهم على السمسرة والبيع الملك حسين بن طلال ونوري السعيد والحسن الثاني الخ.
في هذا العصر فإن السمسار الذي يخطط ويعين على بيع فلسطين هو الشيخ محمد بن زايد.. أما كاشفه فهو تميم المجد، وحاميه رجب إردوغان، وشريكتهما في (حيث الروافض حيث الخوارج).. إيران!.
وهكذا كان هناك مصلحة ل (مقاولي القضية) وشركائهم (المزايدين على القضية) بإقناع الشعب الفلسطيني أن النظام المصري عدو فلسطين، وكذا النظام السعودي، والنظم الخليجية وكل النظم على نفس المنوال، وبحسب علاقات هؤلاء المقاولين والمزايدين.
وهكذا تشتعل الحروب الإعلامية وبكل العناوين الخطأ، وهكذا تمت جرجرة الشعب الفلسطيني إلى صراعات لا طائل ولا فائدة ترجى من ورائها، بل على العكس فإنها تضر بقضية فلسطين وسمعتها، فالسعودي والمصري والمغربي الخ من الشعوب العربية لا ترضى على الإساءة لقياداتها، وسترد وبنفس المنطق السطحي والغبي الذي يوجه تهم التآمر وبيع فلسطين!.
لهذا نجد كثيرا مما يقال متراوحا بين التجني والبؤس في الفهم والجهل في التاريخ وأحيانا الجغرافية!.
- الفلسطينيون خونة!
- فلسطين حق لليهود.. أليسوا بني إسرائيل!؟.. إذن فلسطين لهم!.
- الفلسطيني باع أرضه!.
والقائمة تطول مما حفلت به الكتب ووسائل الإعلام، وكذا اليوم منصات التواصل، وهذه الأخيرة أشد بلوى وأكثر فجرًا.. لأن المهمة تنفذها جيوش إلكترونية لطرف ثالث ينشر الذباب الذي يتقمص أهل القضية (الفلسطينيين)، ويتقمص السعوديين والمصريين والإماراتيين والمغاربة الخ بحسب خارطة الفتنة، بهدف إقناع كل فلسطيني بأن عدوته السعودية أو كذا.. وصديقته قطر وتركيا وإيران!.
للأسف أن أكثر من يمتطي مناهضة الفلسطينيين وقضيتهم من العرب هم (بهايم اللبرلة) وأقصد من يفهمون الليبرالية من مؤخرتها إن صح التعبير، فلا هم أهل سياسة وتاريخ وثقافة، وإنما رهط (زعرنة) وانفلات فيأخذ معهم الأمر مساقات فريدة من الجهل والسطحية وباعتبار إسرائيل أكثر تحضرا فلنكن معها!.
هناك عرب للأسف يتهجمون على الفلسطينيين وينعتونهم بالخيانة تحت طائلة الحرب على الإخوان وجماعة (حماس) ويقولون إن اليهود أشرف من الفلسطينيين وأفضل فتنقل إسرائيل وحماس هذه الأقوال للفلسطينيين فيغضب الفلسطينيون ويتكلمون في السعوديين فينقل سبهم للسفهاء ويردون عليه فتحدث الفتنة!.
هذه بتقديري مهارة يهودية بامتياز فاليهود حينما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وآخى بين الأوس والخزرج وأخمد نار الحرب والفتنة ثم آخى بين المهاجرين والانصار اغتاظ اليهود من ذلك وكانوا قد أثروا واغتنوا من اقتتال الأوس والخزرج فكانوا يبيعون لهم السلاح ويحذون لهم الخيل
ويزودونهم بالمؤن، فأرسلوا فتى منهم لإحدى أندية الأنصار وبدأ ينشد اشعار يوم بعث!.. فاشتعلت الفتنة وسل القوم سيوفهم وكاد القتال السابق أن يُستأنف بينهم لولا أن العقلاء منهم أرسلوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاخمد الفتنة وقال: أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم؟!.
ما هو الحل لهذا الوضع!؟.
إنه التوغل في الفهم الصحيح لقضية شعب فلسطين، فهو شعب مظلوم استباح غزو خارجي أرضه وتسبب هو وحده كعدو رئيسي بمعاناته، وهو يقوم بواجبه نحو استرداد حقوقه المشروعة وبالطريقة التي يقررها هو حسب إمكاناته وحسب الموازين الدولية، وفي نطاق الاستطاعة، والقدرة، وما على الشعوب العربية عبر أنظمتها إلا المساعدة (قدر الإمكان)، ودون أن تتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، ودون أن يتدخل الشعب الفلسطيني بالخلافات العربية، وبمنطق أننا أمة واحدة ومصالحها واحدة، مع الثقة بالله بأن النصر قريب.. وقريب جدا إن شاء الله.
للسعوديين والفلسطينيين الذين يتهجمون على بعضهم.. باسم القضية
