متى يسقط الصنم في العراق!؟

مقالات

 

الكاتب – عوض العبدان:

كان العرب قبل الإسلام يصنعون الأصنام من طين أو فخار ويتركونها حتى تجف وبعد ذلك يضعونها في مكان ما ويتم التبرك بها وطلب قضاء الحاجات منها وبالنهاية تصبح آلهة تعبد!.
ولو سألتهم عن سبب عبادتهم للصنم الذي صنعوه بأيديهم لقالوا لك نحن لا نعبده إنما نتقرب به الى الله وهو الوسيط بيننا وبين ربنا، في معادلة عجيبة فكيف بالصانع يطلب من المصنوع أن يكون وسيطا بين الخالق والمخلوق!؟.
على كل حال، فإنه وعلى مر التاريخ تعددت الصنمية ولم تعد تقتصر على صنم مصنوع من الفخار بل تغيرت الأنماط والأشكال والطرق رغم ان الفكرة بقيت واحدة لم تتغير.
ففرعون كان صنما ولكن بهيئة إنسان وكان يتخذ من نفسه إلها وكان على الرعية عبادته، وكان بنظرهم الرازق، الكريم، الشديد، القوي، والرحيم، ومن يرى عكس ذلك فقد كفر وحل دمه وماله (إن وجد عنده)، وبالعصر الحديث تغيرت الصنمية فلم تعد ذلك الصنم المصنوع من الفخار ولا ذلك الذي على هيئة إنسان انما أفكار يؤمن بها البعض ويعتبرها مقدسة.
ومن هذه الأفكار الشيوعية والقومية والنازية وغيرها، وكلما تطور الإنسان تطورت معه الصنمية وأصبحت أكثر شمولية وأكثر تعقيدا، ولكن الفكرة بقيت كما هي لم تتغير
وهي الإنقياد للصنم وطاعته باعتبار ذلك أمر لا نقاش عليه بالنسبة لمن يؤمن به، وأنك ترى الأبيض أسودا اذا قلت غير ذلك، فالواجب أن تراه عينيك أبيضا، وهو صنف أن ترى السارق بريئا اذا قال ذلك، حتى وإن ضبط بالجرم المشهود.. وأن ترمي بنفسك من أعلى الجبل في الوادي إذا طلب منك ذلك لأنه في مصلحتك كما يقول لك الصنم.
كان الإنسان وعلى مر الأجيال ينصاع لهذا الصنم فترة من الزمن، ولكنه يبدأ بالتمرد بعد ذلك ولكن عندها يكون أصبح للصنم أتباعا متحمسين ومدافعين عنه أكثر من دفاعه عن نفسه، يكونون أكثر غطرسة وغلوا وبطشا من الصنم نفسه!.
ويسجل لنا التاريخ أن الإنسان المتمرد بطبعه وهو الذي يتمرد أحيانا على الحق – فهو يتمرد أيضا على الباطل لذلك تجد أن الصنمية – وعلى مر التاريخ لم تبق صامدة أمام موجات التغيير الكلي أو الجزئي،
فالإسلام عندما جاء فإن أول ما قام به هو محاربة الأصنام، وهكذا فإن المسلمين عندما فتحوا مكة كان أول أعمالهم هو تحطيم الأصنام، وعندما تحطم الصنم فاقت الناس من غيبوبتها وشعروا بأن العهد الماضي كان ظالما سيئا مستعبدا وأنهم يطمحون الآن الى عهد مغاير تماما.
ما حصل مع المسلمين حصل مع نبي الله موسى عليه السلام عندما حطم صنمية فرعون وساوى بينه وبين بني اسرائيل وهذا ما لم يقبله فرعون فدار الصراع بين موسى وفرعون، وأعتقد أنكم تعرفون نهايته ولكن المهم في هذا هو أن صنمية فرعون سقطت ولم يعد له قيمة لدى بني إسرائيل.
هذا ما حصل أيضا في العصر الحديث مع الشيوعية، فعندما سقط صنم لينين سقطت معه الدولة السوفيتية الكبيرة والقوية، وتبعثرت الى أكثر من 15 دولة وكذلك سقط جدار برلين وسقطت الهيمنة الشيوعية في أوروبا الشرقية.
ولو عدنا الى سنوات قليلة مضت لوجدنا أنه ورغم تمركز القوات الأمريكية في مناطق متعددة في العراق عام 2003 إلا أن أحدا لم يشعر بأن نظام صدام قد سقط إلا بعد سقوط تمثاله وصنمه في ساحة الفردوس.
هذه الأيام نعيش ثورة الشباب العراقي الذي انتفض ضد الظلم والفساد والإستبداد
الشباب الذي ملأ ساحة التحرير في بغداد والساحات الأخرى في محافظات العراق، فقد كان الشباب يعيش صراعا في داخله، مردّه أن نظام ما بعد صدام صنع له صنما حشروه في رؤوس الشباب طيلة 16 عاما، وكان فيها الصنم قويا ومتمركزا، بل تحول إلى إله ولا أبالغ إذا قلت بأنه بلغ مستويات لدى البعض تعدت الألوهية فرب العالمين يتجرأ البعض على شتمه في الشارع وأمام الناس ولا أحد يوبخهم أو يمنعهم بينما لايستطيع أحد أن ينتقد مجرد انتقاد الصنم الموجود بالعراق او توجيه اللوم عليه!.
هذا الصنم استطاع أن يغرس جذوره عميقا وأصبحت قاعدته قوية ورغم ثورة الشباب العراقي التي لم تستثن أحدا إلا أنها ترددت قليلا أمام هذا الصنم الذي استطاع ان يخدع الثوار ويلعب بطريقة اخرى مستفيدا من تجارب التاريخ لكي يبقى صنما ولو بدرجة أقل.
المهم أن يبقى صنما.. فهذا ما يريده، ويبدو أن الشاب العراقي ولكثرة ما عانى ونال من متاعب الحياة فإنه رضي (لحد الآن) بهذا الأمر، فصنم بإمتيازات أقل أفضل من صنم إله!.
ربما يكون الحل مؤقتا للطرفين، فالمعركة الفكرية بدأت بين الطرفين ولن تتوقف عند التعادل وإن رافقتها هدنة هنا وهناك
فلا الصنم سيقبل بهذه التنازلات للأبد، ولا الشباب سيقبلون بنصف إله لا يسمن ولايغني عن جوع.
ولأننا على ثقة بأن الإنسان دائما ما ينتصر بالنهاية على الأصنام، فإننا واثقون من أن هذا الصنم سيتحطم يوما
ولكن يبقى السؤال المهم (متى)!؟.
عوض العبدان