منطق التغيير القادم في العراق

مقالات

منطق التغيير القادم في العراق

بقلم السياسي العراقي:

غيث التميمي

••••

تاريخ الصراع عتيق في الحياة البشرية ولم يحدثنا التاريخ عن ضرورة انتصار العدالة والفضيلة ونجاح المظلومين بتحقيق أهدافهم الإنسانية العادلة، بل ولا ضرورة أن يكتب التاريخ باقلام تنصف الضحايا، ولكن وعلى الرغم من ذلك كله كانت الاسباب الموضوعية هي الفيصل في حركة التاريخ.

فلم ينتصر الحق ولكن الظروف الموضوعية انتصرت، لم تنتصر الحقيقة ولكن الوثائق الاركلوجية كشفت المستور ووثقت ما لم تتمكن الاقلام المنتصرة إخفاءه .

ورثنا في العراق أزماتنا ومعاناتنا وقسوة العيش والظلم والقهر والفقر والحرمان والخوف والخذلان جيلا من جيل، على مر السنين كان الضحايا منا أرقاما ليس إلا، نقرا ونسمع أرقاما عن ضحايا الإبادات والحروب والمقابر الجماعية والتطهير العرقي والصراعات الطائفية دون أن نعرف اسماء وتفاصيل وحياة الضحايا.

ارقام فحسب في قوائم مازالت مفتوحة على المزيد من الإضافات.

قد نعرف بعض الجلادين وندين بعض المجازر ولكن في نهاية المطاف كل ما لدينا صور ومعلومات لا تكفل ولا تؤكد كامل التفاصيل والحقائق، ويبقى الشيء الوحيد المؤكد هو أعداد الضحايا بوصفها أرقاما في سجلات مفتوحة.

نتوقع بحكم منظومتنا القيمية بأن الحقيقة والعدل والفضيلة ستنتصر في نهاية المطاف وهذا غير مؤكد بحسب حركة التاريخ، لكن هناك شيء مؤكد يجب أن نتوقف عنده وهو أن الفشل والفساد لا ينتصر ولا يدوم، والجهل والكراهية لا يمكنها مقاومة حركة التاريخ المبنية على معطيات موضوعية تنتمي للواقع وليس الاوهام.

وهنا يجب أن نتفق على نقطتان ضروريتان:

الاولى: قد نتفق أو نختلف في نقاء وصدق تشرين بوصفها انتفاضة شعبية جماهيرية طالبت بالتغيير ورفضت هذا الواقع البائس الذي يعيشه العراقيون ولكننا لا نختلف في حقيقة الظروف الموضوعية التي دفعت ملايين العراقيات والعراقيين للخروج الى الشوارع والساحات مطالبين بحياة أفضل.

الثانية: أن نظام الحكم في العراق يعاني فشلا عضويا في تكوينه السياسي العاجز عن الانسجام مع لغة العصر وتحمل مسؤولياته الهادفة إلى إحداث استقرار وتنمية تضمن له البقاء والاستمرار.

وهاتان النقطتان الضروريتان كفيلتان في معالجة إشكالية مهمة في الجدل العراقي اليومي وهي دور (الحق) و (الفضيلة) في نقاشاتنا غير المنتجة، سواء كنا “مقاومين” أو “جوكرية” حالمين بولاية الفقيه أو دولة المواطنة ففي كلا الحالتين الظروف الموضوعية تؤكد شيئا واحدا وهو عدم استمرار هذا النظام والحال هذه، وهذا لا يعني أن القادم بالضرورة سيكون أفضل كما أن هذا النظام لم يكن افضل مما سبقه في جوانب عديدة.

التغيير قادم بحكم الظروف الموضوعية وما ينبغي بل يجب أن نتفاهم عليه هو أن نضمن أن يكون القادم أفضل بحسب الظروف الموضوعية كمعيار ووحدة قياس وليس بحسب الفضيلة والحقيقة، يجب علينا جميعا التمييز بين ما هو صحيح وما هو ممكن إذ ليس كل صحيح ممكنا.