من إعجازات القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام
••••
سيدنا يوسف عليه السلام هو يوسف بن يعقوب، ولد في العراق، وفي طريق العودة من العراق إلى فلسطين، ماتت أمه راحيل وهو ما زال طفلاً صغيراً.
وكانت طفولته في فلسطين، ونقل كبضاعة مزجاه، وعاش ومات في مصر.
نزلت سورة يوسف في سنة 10 من الرسالة، وتحديدا في عام الحزن، وهي السورة الوحيدة في القرآن الكريم، التي تقص قصة كاملة بكل لقطاتها، ولذلك قال الله تعالى: “أحسن القصص”، فهي تبدأ بحلم، وتنتهي بتفسير هذا الحلم.
القميص
والقميص من عجيب القصة فقميص يوسف استُخدم كأداة براءة لإخوته، فدل على خيانتهم، ثم استُخدم كأداة براءة بعد ذلك ليوسف نفسه مع امرأة العزيز فبرَّأه، ثم استخدم للبشارة، فأعاد الله تعالى به بصر والده يعقوب.
نلحظ أيضا أن معاني القصة متجسِّدة، وكأنك تراها بالصوت والصورة، وهي من أجمل القصص التي يمكن أن تقرأها ومن أبدع ما تتأثر به. لكنها لم تجيء في القرآن الكريم لمجرد رواية القصص، فكان هدفها جاء في آخر سطر من السورة وهو: إنَّهُ مَن يتَّقِ ويَصبر، فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنين، فمحور القصة الأساسي هو: ثق في تدبير الله، وإصبر ولا تيأَس.
والسورة تمشي بوتيرة عجيبة، مفادها أن الشيء الجميل، قد تكون نهايته سيئة، وأن الشيء السيء قد تكون نهايته جميله، يا سبحان الله.. فيوسف أبوه يحبه، وهو شيء جميل، فتكون نتيجة هذا الحب أن يُلقى في غيابات الجب، وهذا شيء فظيع، كما أنه شيء فظيع أن يكون يوسف خادما صغيرا في بيت عزيز مصر، فتكون نتيجته أن يُكرَم في بيت العزيز!.
ثم تكون نتيجة هذة الروعة أن يدخل يوسف السجن، ثم أن دخول السجن شيءٌ بَشِع، فتكون نتيجته أن يصبح يوسف عزيز مصر!.
هذا يعني أن ينتبه المؤمن، إلى أن تسيير الكون شيءٌ فوق مستوى إدراكه، فلا تشغل نفسك به ودعه لخالقه يسيِّره كما يشاء، وفق عِلمه وحِكمته، فإذا رأيت أحداثاً تُصيبُ بالإحباط ولم تفهم الحكمة منها، فلا تيأس ولا تتذمَّر، بل ثِق في تدبير الله، فهو مالك هذا المُلك وهو خير مُدبِّر للأمور.
كما يفيد ذلك أن الإنسان لا يجب أن يفرح بشىء قد يكون ظاهره رحمة لكنه يحمل في طياته العذاب أو العكس.
يوسف الإنسان
يوسف الإنسان الذي واجه حياة شديدة الصعوبة منذ طفولته ولكنه نجح. ليقول لنا:
إن يوسف لم يأتِ بمعجزات، بل كان إنساناً عاديَّاً ولكنه اتَّقى الله فنجح!.
وسورة يوسف أكثر السور التي تحدَّثت عن اليأس، قال الله تعالى:
“فلمَّا استَيأسوا منهُ خَلَصوا نَجِيَّا”، (الآية ٨٠).
“ولا تيأسوا مِن رَوحِ الله إنَّهُ لا ييأسُ مِن رَوحِ الله إلا القومُ الكافِرون”، (الآية ٨٧).
“حتى إذا استيأس الرسلُ وظَنُّوا أنَّهُم قد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا”، (الآية ١١٠).
وكأنها تقول لك أيُّها المؤمن: إن اللهَ قادر على كل شئ، فلِمَ اليأس؟.
إن يوسف رغم كل ظروفه الصعبة، لم ييأس ولم يفقد الرجاء. فهي قصة نجاح في الدنيا والآخرة..
في الدنيا حين استطاع بفضل الله ثم بحكمته في التعامل مع الملِك، أن يُصبح عزيز مصر. وفي الآخرة حين تصدَّى لامرأة العزيز ورفض الفاحشة ونجح.
لقد نزلت هذه السورة في عام الحزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أشد أوقات الضيق بوفاة زوجته السيدة خديجة وعمه أبو طالب، وهذه السورة كما قال العلماء: (ما قرأها محزونٌ إلا سُرِّي عنه).
تولى الله أمر يوسف.. كيف!؟.
– أحوج القافلة في الصحراء للماء، ليخرجه من غيابات الجب.
– أحوج عزيز مصر للأولاد ليتبناه.
– أحوج الملك لتفسير الرؤيا، ليخرجه من السجن.
– ثم أحوج مصر كلها للطعام، ليصبح عزيز مصر.
العبرة والتدبر هنا هو أن الله إذا تولى الله أمرك هيأ لك كل أسباب السعادة وأنت لا تشعر، ولذلك مطلوب منك أن تقول بصدق:
“وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ”، ففوّض أمرك لله فى كل شيء: في همك، في صحتك، في أولادك، في احتياجاتك المالية. واتق الله، و تأكد أن الله معك طالما أنت موفي الله حقه.