يوسف علاونة
7 مايو 2016
ينبغي في البدء أن نطرح الأسئلة:
هل كنت يوما صداميا أو بعثيا؟.. هل كنت عميلا للغزو العراقي؟.. هل كنت مقتنعا بنظام شمولي دمر العراق وقضى على مستقبله؟.. هل كانت لي في أي يوم مشكلة مع الشيعة في الكويت؟..
ينفع هنا الاختصار، فعام 1990 بعيد تقديم المذكرة العراقية كتبت مقالا في صحيفة السياسة الكويتية انتقدت فيه القيادة العراقية دفاعا عن الكويت، وقلت بأنه لا ينبغي تحميلها مسؤولية قرار الحرب مع إيران لأنها لم تقصر مع العراق، وحل المشاكل الناجمة عن الحرب لا يكون بابتزاز وتهديد الأشقاء، لأجد الأستاذ سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية الكويتية المعروف في ذلك الوقت، يطلب مني أن أخفف من لهجتي ضد القيادة العراقية ضمن سياسة التهدئة وعدم التصعيد الإعلامي، وقد التزمت بذلك فأنا بالأصل محرر متخصص في الشؤون السياسية المحلية مكلف بتغطية وزارة الخارجية ومجلس الوزراء وهذا معناه أنني صحافي ملتزم حرفيا خط الدولة دون أي اجتهاد إلا ما يتم تسريبه إلي برغبتهم، أما غير ذلك فمثل هذا الموقع لا يسمح بأي اجتهاد.
ينجم عن هذا الحذر من أي علاقات خارجية، ولهذا كنت مختصا بالشؤون الخليجية والعمانية تحديدا فلم أكتب حرفا واحدا في الشأن العراقي على ما عرف من تأييد الصحافة الكويتية والعربية عموما للعراق في تلك الحرب، فلما وقع الغزو كنت متحررا من أي علاقة مع العراق، فكتبت ما يمليه علي ولائي لهذا البلد الذي أعيش فيه وأتنعم بخيره، والأهم أنه تعرض للظلم بهجوم مباغت غادر غير مبرر أيا كان الخلاف، وهو ما رأينا أنه استنزف العرب ثم أتى على العراق نفسه فدمره وأهلك شعبه، ليكون ذلك سببا للغضب على من بلديّ الاثنتين!.. فلسطين التي لا أدخلها لحد الآن بسبب ذيول هذا، والأردن التي لم يشفع لي فيها غير قبلة على رأس الملك حسين رحمه الله عندما توجنا جهدا لمصالحتها مع الكويت عام 1994 بلقاء أجراه الأستاذ أحمد الجارالله رئيس تحرير صحيفة السياسة، وكنت مشاركا ضمن وفده فقبلت رأسه طالبا السماح على ما كتبت ضد موقفه وموقف ياسر عرفات رحمه الله أيضا، وهو ما نشر سواء خلال الغزو أو بعده.
بخصوص الشيعة في الكويت فكثير منهم أصدقائي، بل إذا وضعت الصداقات والعلاقات في كفتين، فالأصدقاء من الشيعة أكثر من السنة، ولم أكن يوما طائفيا في كتاباتي ولم أنجر لشيء مما يمكن وصفه بالفتن سواء أكنت معتقدا بسلامة مذهب الشيعة أو عدم سلامته، فالإنسان بالنهاية لا يكون شيعيا لأن تخرج من الجامعة كشيعي بعد أن كانوا سألوه في الثانوية عن اختياراته: علمي أم أدبي أم تجاري، سني أم شيعي أم ملحد!
الناس تكون من الميلاد كما هم آباؤهم، والناس تعيش بمحبة في هذا المجتمع، وشخصيا ذهبت مرارا كـ (مجاملة) للحسينيات في مناسباتها، وأكلت منها وضحكنا وتدبرنا ولهونا بلا حساسية.
وكثير من أصدقاء أبنائي شيعة، وفي يوم الجمعة إن باتوا عندنا أستأذن آباءهم بأخذهم معي إلى المسجد فلا يمانعون، ولا نتحدث في بيتنا بهذا الأمر.
وهذا الدشتي الذي يحرض علي باعتباري قنبلة الكويت النووية ويلوم من يدافع عني، أدخلني يوما عام 1999 إلى بيته، وهو لم يجعلني أصحح مقالاته في جريدة الدار فقط بل صححت له كتابه الذي ألفه أيام كان بعثيا اشتراكيا وقبل أن يصبح من أتباع الحشد الشعبي العراقي!
لقد جلست في مكتبه، كرئيس فريق إعلامي وقبضت منه خلال أيام 1000 دينار أجرا عن عملي، أما جريدة الدار فالأصل أن الطائفي لا يمكن أن يعمل بها لأنها شيعية الشكل والمضمون، والأصل أيضا أن الصحافي (المهني) لا شأن له بسياسة الصحيفة أو الجهة الإعلامية، فهذا لا يتعلق بصحفي سواء أكان كويتيا أو وافدا وإنما المالك نفسه، وإلا فصحيفة الدار هذه هاجمت السعودية فهل يعكس هذا موقفي وقناعتي؟.. وهي هاجمت حكومة البحرين فهل أنا ضد حكومة البحرين؟.. هذا نوع من الصرع والجنون.
لكن تعال لأقول لك حكاية موثقة في سجلات المحاكم ويثبت فيها أنني وفي جريدة الدار كنت إطفائيا ضد الفتنة الطائفية، وإخماد الحساسية التمذهبية.
ففي يوم جاؤوا لي بمقال من الانترنت عن (تضحيات السيدة زينب) وبه ستة عشر شتيمة لمعاوية بن أبي سفيان وهو صحابي ضخم ومحظور قانونيا المساس به، فأعملت بالمقال قلمي لأمسح الشتائم والمساس، ففاتني سهوا في غمرة الانشغال مسح شتيمة واحدة فقط، فتم رفع قضية على الجريدة واستدعت النيابة رئيس التحرير.
والمعتاد قانونيا أن هناك محررا يكون كاتب الخبر فيحاكم عما كتب، ويحاكم رئيس التحرير عن مسؤوليته عما ينشر.
ولأنه لا يوجد كاتب للمقال فقد تطوعت بالذهاب إلى النيابة بصفتي كاتب المقال (المقال موجود على النت لليوم وتجده في كثير من المواقع الشيعية وهو بدون توقيع) فسألني المالك: لماذا أنت؟ فقلت له لأني مسلم سني، وبهذه الصفة أضمن لك حل الموضوع مع النيابة، وهذا أسلم كي لا تأخذ القضية منحى طائفيا ضارا للجميع وأوله أنتم.
ذهبت إلى النيابة في اليوم التالي وأقنعت وكيل النائب العام بأنه خطأ غير متعمد وأني المسؤول بدليل ما تراه أمامك من الحذف (أرفقت صورة المقال)، فوعد بحفظ القضية شريطة نشر تنويه صغير بأن الإساءة غير مقصودة فلما عدت إلى الصحيفة رفضوا هذا الحل لننال حكما بالدرجة الأولى بالسجن والغرامة!
بالنهاية تم حفظ القضية وانتهى الموضوع لكنها ولله الحمد تؤشر على نصاعة صفحتي وصدق سريرتي، وحبي لهذا البلد بغض النظر عن المسألة الطائفية.
- لم أسئ للشيعة يوما، وما ركزت عليه ببحوثي هو مواصفات ومساوئ (الإسلام) الصفوي المجوسي السائد في إيران، والمختلف كليا في جوهره عن التشيع العربي وما أذهلني وكنت أرد عليه بخصوص ذرية النبي – لا توجد ذرية للنبي بالطبع لأنه لا وجود لأبناء للنبي عاشوا فتزوجوا فأنجبوا – اكتشفته وأنا أكتب دراسة عن مشكلة اليمن مع (الزيدية الهادوية العنصرية) التي أضحت عقيدتها تستسهل القتل والتدمير والنهب والأمية والجهل بذريعة أنهم أبناء النبي فأصبح هناك (القناديل) وهم ذرية النبي و (الزنابيل) وهم عوام الشعب وإلى حد أنهم لا يجتمعون في المقابر!.. لأبين صعوبة مهمة الملك سلمان وتحالفه لأنه يقوم بتمزيق إرث تاريخي ممتد لأكثر من ألف عام.
هذه هي الحكاية من أولها إلى آخرها في شقها الطائفي، لكن اللجة القائمة لم تجد سببا طائفيا وإلا فالقضاء فاتح أبوابه لكل متضرر، ولكن بدأ الأمر من الحوثيين وأتباع حزب شاويش إيران في لبنان حسن نصرالله وطائفيي الحشد الشعبي، وشيئا فشيئا ازدهر اسم يوسف علاونة في سوق السب واللعن والدفاع عن آل البيت والإسلام الحق.. وصار يتعين على الكويت أن تبعده عن أراضيها وإلا فهو أقوى منها!
يقول الله سبحانه وتعالى: “فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ* فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ” سورة غافر 44-45، صدق الله العظيم.