موفد من صدام إلى الخميني في باريس

مقالات

موفد من صدام إلى الخميني في باريس!.

من ملفات المخابرات

بقلم أ.د كريم فرمان

••••••

في مكتبه طلب مني الرئيس صدام حسين وفي ليلة من ليالي الشتاء في مطلع شهر نوفمبر من عام ١٩٧٨م استدعاء أحد رفاقه الحزبيين القدامى لمقابلة عاجلة، ولما كان هذا الرفيق القديم قد تعرض لمشكلة شخصية سجن بسببها خمس سنوات أمضى منها سنتين بعد أن شمله الرئيس بعفو خاص فتقاعد بعدها من الحزب والدولة وكان من الصعب معرفة رقم هاتفه أو عنوان داره.

أبلغت قوى الأمن العامة بضرورة الوصول اليه وإبلاغه بالحضور إلى استعلامات القصر الجمهوري عاجلا.

في مساء اليوم التالي حضر الرفيق علي رضا باوه واستقبله الرئيس بالأحضان وبعد السؤال عن أحواله وأسرته شكر علي سيادة الرئيس على هديته له قبل شهور وكانت كالعادة سيارة صالون ومسدس وعشرة آلاف دينار، وكانت هذه عادة الرئيس فهو دائم التفقد لرفاقه الحزبيين القدامى حتى لو انقطعوا عن العمل.

دار الحوار التالي:

– صدام: رفيق علي كيف هي علاقتك مع الخميني؟.

ارتبك علي ليقول: سيدي كانت علاقتي به خلال إقامته في النجف لاجئا بحكم مسؤوليتي الرسمية عن مكتب حركات التحرر الذي يتبع له اللاجئين السياسيين الأجانب في العراق وانقطعت علاقتي به منذ غادر أو رحل من العراق!.

– صدام: اخ علي انا اريد ان اكلفك بمهمة سرية وخاصة جدا اسأل فقط عن جو العلاقة الشخصية بينكما هل يقدرها الخميني هل يكن لك ودا مثلا؟.

الرفيق علي: سيدي الرئيس أظن الإمام يقدر لي كثيرا موقفي منه عندما أعدم الشاه ولده البكر مصطفى وقمت بجلب جثمانه من طهران لدفنه في مقبرة النجف على نهج الشيعة واشرفت على الدفن والتعزية.

هنا قال صدام له:

يبدو أن حكم الشاه يصارع أنفاسه الأخيرة والشايب يقصد الخميني جاي جاي لطهران وأنا أريد منك أن تذهب برحلة سريعة لباريس وتقابله بحجة رغبتك في السلام عليه وإنك وصلت باريس للعلاج ولا يمكن أن تغادر دون السلام على الإمام وهو يعلم آنك من الشيعة وتصطحب معك الرفيق كريم فهو صغير السن ويمكن أن تقدمه بأنه ابن اختك ومرافق لك في المشفى.. أريد ان تجس نبضه شنو يفكر نحو العراق الذي أقام به ١٤ سنة وماذا يضمر!.

على متن الخطوط الجوية العراقية في اليوم التالي غادرنا سوية إلى باريس أنا والأستاذ علي رضا باوه وصلنا مساءً وكانت عاصمة النور تغتسل بالمطر الشفيف على قول الشاعرة العراقية لميعة عمارة، ونزلنا في أحد فنادق الشانزليزية ذات الأربع نجوم وفي الصباح صعدنا في تاكسي يقوده شاب جزائري مقيم هناك على العنوان الذي عندنا أوصلنا إلى فيلا نوفل لوشاتو في قرية جميلة بالقرب من باريس عند الباب لاحظنا أن الدار تزدحم بكاميرات التلفزة ومصورين كثر وصحافيون وزوار في الباب سألنا شرطي فرنسي سري إلى أين قلنا له بانجليزية ربما لم يفهمها visitors وفي هذه الأثناء لمحنا شاب من مكتب الإمام تعرف فورا إلى علي باوة وقال بالعربية اهلا علي.

كان ذلك الشاب هو صادق قطب زادة طالب ايراني يدرس في فرنسا ويقوم بمهمة سكرتير الخميني وسبق أن كان يتردد على مدينة النجف.

بادره علي أنا في رحلة علاج شارفت على الانتهاء ورغبت بالسلام والتحية لمولانا وسيدنا وايضا ننهل من بركاته بالشفاء ووو الخ.

أجاب صادق زادة أن مواعيد الإمام هذا اليوم مزدحمة جدا وصعب ترتيب موعد لكم.. اترك لي العنوان ورقم الهاتف وساخبرك!.

في الليل رن الهاتف في استقبال الفندق وعلى الطرف الآخر كان صادق قطب زادة والذي أصبح وزيرا للخارجية الإيرانية لاحقا وقد أعدم بسبب اتهامه بالتجسس فيما بعد.. أخ علي موعدكم مع السيد غدا الساعة ١١ صباحا..

على الموعد وصلنا مقر إقامة الخميني وأدخلنا زادة فورا على الإمام الذي كان كعادته كما قال لنا زادة يكون مجلسه عندما يكون الطقس صحوا يفضل الجلوس تحت شجرة تفاح كبيرة عند مدخل البيت.

خلال خطوات الطريق همس علي في أذني أرجوك كريم قبل يد الإمام كما افعل أنا كي لا يتوجس وهذه طريقتنا الشيعة في تحية رجال الدين.

شاهدت الخميني مبتسما لمقدم هذا الزائر العراقي له وبادره أهلا علي صديقي القديم وعدوي في آن معا، وكان الخميني يتكلم بعربية فصحى جدا فرد عليه علي سيدنا صديق هاي مفهومة بس عدو اشلون ترهم!؟.

قال الخميني نعم صديق لأني لا انسى لك ما قدمته لي خلال إقامتي في النجف من أفضال خصوصا جهودك العظيمة في جلب جثمان ولدي مصطفى من طهران ودفنه في النجف الأشرف اما عدو فلانك من جماعة صدام!.

ضحك قليلا ثم أردف كيف هي احوالك سمعت ان صدام قام بحبسك!؟.

رد عليه علي: لا سيدنا لم يحبسني هو إنما وقعت لي مشكلة عائلية وقد اخرجني بعفو خاص.. المهم سيدنا أن شآء آلله تكون في طهران قريبا وأكيد راح تكون علاقتك مع العراق الجار وبلد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأرض الأئمة الأطهار زينة وطيبة ونستبشر بك خيرا!.

امتقع وجه الخميني ليرد: لا لا أبدا أول شيء سأقوم به أن عدت لإيران هو إسقاط صدام والبعث الكافر وتحرير شيعة العراق من الظلم!.

كانت مهمتي أن استمع للحوار بينما كانت ساعة اليد التي ارتديها تسجل كل كلمة، المهم بعد أحاديث عمومية أخرى قال له علي أستأذنك سيدنا لأني راجع مع ابن اختي غدا لبغداد ودعواتك لي بالشفاء ثم قبله من يده ورأسه وخرجنا من نوفل لوشاتو إلى مطار اورلي.

اليوم التالي كان بيدي في بغداد تقرير بخط الرفيق علي رضا باوه صديق الخميني والرفيق القديم للرئيس كتب فيه كل ما جرى من حوار وختمه بعبارة سيدي الرئيس: السيد يقول أول ما أفعله عندما أحكم طهران هو إسقاط حكم الرئيس صدام والبعث، ولم يعلم الرفيق علي رضا أن الرئيس كان قد استمع لتسجيل كامل للحوار من الساعة التي كانت في يدي و قامت الإدارة الفنية بجهاز المخابرات العراقية بتفريغه على كاسيت!.

بعدها شرع الرئيس صدام بترتيب أمور البلد لتوقع الحرب فقام باستمالة الشيعة العراقيين في مدنهم وقراهم وعزز من مكانتهم وتواجدهم في المناصب والمراكز القيادية واشتغل على تحضير الجيش العراقي بالتدريب والتسليح وهذا فعلا ما حصل عندما قامت طائرتين ايرانيتين بقصف بغداد يوم ٤ سبتمبر ١٩٨٠م وأسقطت إحداهما قرب نهر دجلة وتم أسر الطيار حيا.

هذه شهادة للتاريخ قبل أن يغادرنا لكي لا يأتي من يقول أن العراق هو من بادر بشن الحرب على إيران الجارة.