يوسف علاونة:
مشكلة عويصة عندما تكون في مواجهة مع من يعيش الشعور بالنقص فيبني حياته كتركي أو كفارسي على بغض العربي لأن هذا العربي أسمى وأفضل منه.. عند الله سبحانه وتعالى!.
هذه هي الحالة الايديولوجية نجم عنها عينات أصحاب وجوه (مجعلكة) أو متفلطحة، أو مُبعجةٌ، كتلك التي نشاهدها في عالمي السياسة والإعلام وتبدي التعاطف مع إيران وتركية وضد (بلادها العربية) التي تنطق بلسانها، وتخفي في صدورها البغض والحقد جراء (العرق الدساس)، سواء أكان فارسيا أو تركيا.
لقد بدأت هذه القصة عند تدمير عاصمة الأكاسرة المدائن وبناء الكوفة قريبا من مكانها، وبحجارتها، واتفاق سيدنا سعد بن أبي وقاص مع بقايا الحرس الكسروي (6000 رجل في بعض الروايات) على الالتحاق بدولة العرب.
وهؤلاء (الحرس الكسروي) ليسوا كبقية الشعب الذي يقبل تقلب الحال كما هو، فهم إن قبلوا بزوال الدولة فإنهم يرضون بذلك في نطاق البحث عن دور في الدولة الجديدة.
وقد كان هؤلاء كدولتهم العميقة يبغضون العرب من الباب العنصري والاستعلائي، وبالتالي لم يكونوا قادرين على استيعاب أن الله فضل العرب عليهم وعلى أجدادهم، فواظبوا على أن يكونوا سوسا ينخر في كل بناء عربي، ثم قاموا عبر مراحل متتالية ودون كلل باختراع دين آخر لديه كل الوقت طاقة هائلة على التطور والحذف والإضافة، بهدف رئيسي وهو أن يتناقض وبالمطلق مع دين العرب كليا في (الثابت والمتحول) أي في العقائد والركائز وفي الشخوص والتأويلات، فأنت أمام تظهير آخر للصورة لا صلة له ما جاء به النبي العربي والصحابة العرب، بل هي صورة تجعل العربي البدوي القبلي الملتحق يبغض العرب ويعشق الفرس وإلى حد يهيأ له فيه بأن تقبيل أقدام الفرس شيء يقربه إلى الجنة!.
في الحالة التركية لم يكن الترك غير قوم من المترحلين بلا أرض ولا هوية أو كيان بل وحتى بلا لغة طبيعية متكاملة، وكان الحذر العربي منهم أساس العلاقة معهم اتساقا مع الحديث الشريف الموجه لذلك (اتركوا الترك ما تركوكم) فمال العرب لاستخدامهم كعساكر وخدام سلطة، فلما دارت الأيام وسيطروا على (المؤسسة) العسكرية وبنفس طريقة جنرالات الدول الفقيرة والمتخلفة فيقومون بالسيطرة على الدولة!.
بدأت قصتنا مع الترك في بلاط الخلفاء، وتحديدا العباسيين.. وهؤلاء كانت عروبتهم منتهكة أصلا كون حركتهم نشأت في الحاضنة الفارسية ضد أبناء عمومتهم الأكارم المتمتعين بالعلم والمال والجاه وإرث السلطة في الجاهلية والإسلام (بنو أمية).
وحتى ولو استيقظ العباسيون مرارا على الجموح والطموح الفارسي ضد العرب، فهذا لا يخرجهم من حفرة أنهم أسارى الفرس وبلادهم والعيش في وسطهم وجوارهم، وهل ننسى أن المأمون انتصر بالفرس على أخيه الأمين بعد حرب طاحنة هلك فيها شأن العرب ونفوذهم!.
في قوماتهم حاول العباسيون الحد من سلطة الترك لموازاة المسألة وموازنتها، فأسفر ذلك عما هو أسوأ.. إذ زور الفرس التاريخ والعقيدة وأتلفوهما، وعمم الترك الجهل والغباء وسيدوهما!.
المشهد الحالي وكما جرى عبر التاريخ ينبئ عن هذا، ولذلك فإن قاعدة ابن تيمية (حيث الروافض حيث الخوارج)، التي تفسر تلازم وتلاحم الضلال الرافضي والخارجي، تنطبق على المصلحة المشتركة بين الفرس والترك.
كان الترك دائما متضامنين مع الفرس، وإن زعموا أنهم من أهل السنة، فهم لم يقدموا للإسلام فقيها أو محدثا واحدا، أو مفسرا للقرآن، أو مؤرخا منصفا، وكانوا مجرد عسكر بلا سياسة، فكانت النتيجة الماثلة بقاياها الآن بعد أن مزقوا بلاد العرب وديار الإسلام ومنحوها قطعة وراء قطعة للاستعمار الغربي، ثم بالكاد احتفظوا ببلاد الأناضول التي أقطعهم إياها العرب، ليجعلوها كما هضبة فارس خزان حقد وغضب وتآمر على العرب!.
قد لا يعلم كثيرون ما يحفظه التاريخ من أن (خلفاء) بني عثمان استخدموا اللغة الفارسية في بلاطهم لإدارة الدولة حتى لا يستخدموا العرب واللغة العربية!.
لقد نتج عن هذا أقليات شيعية في البلد العربية توالي فارس (إيران) أكثر من بلادها، بل هناك بدو وأبناء قبائل كما يزعمون، يجدون في تقبيل القدم الفارسية سبيلا إلى دخول الجنة!.
ونحن نرى في بلادنا مواطنين ينالون العطايا والعيش الرغيد في بلادهم مما لا يحلم به رؤساء الفرس وزعماؤهم ومع ذلك تجد من يتآمر من هؤلاء على بلاده لصالح الدولة الفارسية!.
نفس الحالة تجدها من الجانب التركي، فكثيرون لا يعلمون الأثر التخريبي المدمر الذي أحدثه الترك العثمانيون على التركيبات السكانية للبلاد العربية وكلها ضد العرب والهوية العربية، ولهذا نرى اليوم من يتعامل مع الحالة وكأن المألوف والطبيعي هو أن يكون رئيس وزراء ليبيا (فايز السراج) تركي الأصل، لنتوغل أكثر فنجد معظم قيادات ورموز جماعة الخوارج الرئيسية ما بعد العصر العثمنلي (الإخوان المسلمين) هم من الترك والفرس!.
أخي العربي.. هذه المخاطبة لك تحديدا دون سواك الذي لا يعنيني، فكل المنحرفين ضد بني أمية، والمجتهدون من أهل الكلام والهوى والتفلسف، وكل (الثوار) يجتهدون لاستخراج مكرمة ومنقبة لكل أحد من الدول والحقب والأسر، لكنهم عندما يصلون إلى بني أمية يدينوهم ويثلمون كل فعالهم وبالمجمل.. لماذا!؟.. الجواب لأن بني أمية هم (الأنقياء) الأكثر تأهلا لحمل الرسالة، وباعتبار أن الفرس والترك ومن معهم من المخترقة والمهجنة (عروقهم) عند وجود أمثال بني أمية يتراجعون إلى الخلف.. وبكل انضباط.